خطبة بمناسبة الدخول المدرسي - نحن في حاجة للتربية قبل التعليم

 خطبة بمناسبة الدخول المدرسي - نحن في حاجة للتربية قبل التعليم

خطبة بمناسبة الدخول المدرسي - نحن في حاجة للتربية قبل التعليم

خطبة بمناسبة الدخول المدرسي - نحن في حاجة للتربية قبل التعليم


خطبة بمناسبة الدخول المدرسي - نحن في حاجة للتربية قبل التعليم


عناصر الخطبة:

  • دور المدرسة في التربية والتعليم
  • التربية أساس التعليم
  • دور المعلم في التربية والتعليم


الخطبة الأولى:

 الحمد لله {خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}، لقد فاز من اهتدى بهديه فاستحق التقدير والامتنان، وفشل من اتخذ إلهه هواه فباء بالخيبة والخسران، وأشهد أن لا إله إلا الله الكريم المنان، أمر بالتربية قبل تعليم الإنسان، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله كان خلقه القرآن، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أهل الصدق والإيمان، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم القسط والميزان...


أما بعد؛ فأيها الإخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي ألا بتقوى الله وطاعته.


 ها هي المدارس قريبا ستفتح من جديد أبوابها، لتحتضن تلاميذها احتضان الأم الحنون لأولادها، والمدارس ليست مؤسسات تعليمية فقط؛ بل هي مؤسسات تربوية وتعليمية؛ فالتعليم هو: تلقين العلوم والحرف والمهن والفنون بمختلف أشكالها للطالب حتى يتقنها، أما التربية فهي: تنشئة الطالب على السلوك والمبادئ والأخلاق حتى ينضبط بها؛ فكلاهما تلقين؛ إما تلقين العلوم والفنون، وإما تلقين الأخلاق والسلوك.


 فإذا كان التعليم أساس العمل؛ فإن التريبة هي الأمل الحافز على هذا العمل، وإذا كان التعليم أرزاقا يأخذ منه الإنسان ما كُتِب له؛ فإن التربية هي الأخلاق المهذبة لهذه الأرزاق، وإذا كان التعليم تخزينا للمعلومات في الأذهان، فإن التربية هي التزكية لهذه المعلومات في واقع الإنسان، وإذا كان التعليم يتجه إلى العقل والذاكرة، فإن التربية تتجه إلى النفس والروح، وأنت بالروح لا بالجسم إنسان، وإذا كان التعليم يهدف إلى أن يخرج لنا علماء، فإن التربية تهدف إلى أن تخرج لنا حكماء، 


فالوزارة المكلفة لا تسمى وزارة التعليم فقط؛ بل هي "وزارة التربية والتعليم"؛ وقد جمع الله بينهما فجعل التربية أساس التعليم، فقال في كتابه الحكيم: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، وقال سبحانه في مهمة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: {يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}؛ ومن هنا كانت التربية ممارسة والتعليم مدارسة أشرفَ عمل في الوجود، وزكاة علمك تعليم غيرك. 


 نعم هذا التعليم فأين التربية؟ نحن في حاجة إلى مزيد من التربية والأخلاق قبل حاجتنا إلى مزيد من العلم والمعرفة؛ قد كان الوالدان أولَ المربين، والآن قد أصبح أول المربين هو الأنترنيت والهاتف المحمول، وكانت الأم قديما حينما تريد أن تُسْكِت طفلها عند البكاء تعطيه ما يسمى "السَّكَّاتة" أو "الرضَّاعة"، والآن فالسَّكَّات هو الهاتف المحمول فإذا ما بكى الطفل من خلفها أسكتته بهاتفها، وكلنا نعلم ما تحمل إلينا الهواتف المحمولة؛ حيث تضيع التربية عند الصغار والكبار؛ 


فعندما ضاعت التربية والأخلاق، ضاقت الرواتب والأرزاق، وفسدت المراتب والأذواق، وسُدَّت الأبواب والآفاق، وذُلَّت الجباه والأعناق، فالتعليم بلا تربية لا فائدة منه ولا ضمان له؛ بل العلم وحده قد ينقلب إلى عوامل التخريب وأسباب التدمير، فإذا كان العلم قد وصل به البشر إلى صنع الطائرات والسفن والأقمار الصناعية مما ينفع البشرية، فإنه نفسه العلم الذي وصلوا به إلى أخطر الأسلحة النووية مما يدمر البشرية، وقد أحسن من قال: 

العـلم كالـغـيـث والأخـلاق تربته * إن تفـسـد الأرض تذهـب نعمة المطر

إبليس أعلم أهل الأرض قـاطـبـة * والـنـاس تلعـنه في الـبـدو والـحـضـر

لا تـحـسـبـنَّ الـعـلم ينفـع وحــده * مــا لــم يُـــتَـــوَّج ربُّــه بـخــلاق

فـإذا رُزِقْـتَ خـلـيـقــة مـحـمـودة * فـقـد اصـطـفـاك مُـقَـسِّــم الأرزاق 


أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين...


الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين...

أما بعد؛ فيا أيها الإخوة المؤمنون؛  

لقد جرت سنة الحياة أن يأخذ المتقدم بيد المتأخر، وأن يُعَلِّم العارفُ الجاهلَ، كما يعلم الكبير الصغير، وأن يرشد الأستاذ التلميذ كما يرشد المهتدي الضالَّ، وأن يسأل الطالب أستاذه كما يسأل الجاهل العالم؛ والعاقل من عرف كيف يتعامل مع كل واحد حسب مستواه، وقد قيل: الناس أربعة أنواع:

  • شخص يَعْلَم و يَعْلَم أنه يَعْلَم فذلك العالم فاسألوه.
  • شخص يَعْلَم ولا يَعْلَم أنه يَعْلَم فذلك الغافل فنبهوه.
  • شخص لا يَعْلَم وي يَعْلَم أنه لا يَعْلَم فذلك الطالب فعلموه.
  • شخص لا يَعْلَم ولا يَعْلَم أنه لا يَعْلَم فذلك الجاهل فانصحوه.


 ومفتاح العلم بالنسبة للطالب هو السؤال؛ "قال النبي صلى الله عليه وسلم فما روى أبو داود: «هلا سألوا إذْ لم يعلموا، فإنما شفاء العِيِّ السؤال»، والعِيُّ: الجهل.

إِذا كُنْتَ لاَ تَدْرِي وَلَمْ تَكُ بِالَّذِي * يُسائِلُ مَنْ يَدْرِي فَكَيْفَ إِذاً تَدْرِي؟! 


 والتعليم بالنسبة للمعلم ليس في حسن التلقين والإلقاء فقط؛ بل يكون أيضا بأخلاقه ومعاملاته، بحسن اهتمامه وحسن انتباهه؛ بل حتى بحسن هندامه وهيئته، فالتلميذ غالبا تواق للتشبه بأستاذه وتقليده، يتأثر بسلوكه كما يتأثر بكلامه، فهو قدوته في أقواله وأفعاله. 


 فعلى الأستاذ أن يكون ربانيا في المدارسة والممارسة معا، في التربية والتعليم معا، وأن يكون صادقا فيما يدَّعي من العلم، وفيما يدعو إليه من العمل، وعلامة صدقه أن يطبقه على نفسه أولا؛ كيف لا وقد علم أنه اعتلى منصبا من مناصب النبي صلى الله عليه وسلم، والتعليم بالأسلوب العملي وبالصدق في التطبيق أوقع في النفس وأدعى إلى إثبات العلم في القلب، 


فإذا طابق علمُنا عملَنا اقتنع به طلابنا واتبعونا، فإذا كان العكس فإن طلابنا سيشعرون بعدم عزمنا على تحقيق ما نقول، أو بعدم إيماننا بما نقول، أو بعدم جدية أقوالنا، فنسيئ إليهم من حيث لا ندري، ونعلمهم الرياء والنفاق بدون أن نشعر.


ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم…


الخطيب الفقيه ذ.عبد الله بنطاهر

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-