خطبة جمعة حول ذكرى عيد الإستقلال

خطبة جمعة بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال

ذكرى عيد الإستقلال - خطبة جمعة مختصرة
ذكرى عيد الإستقلال - خطبة جمعة مختصرة

ذِكْرَى عِيدِ الِاسْتِقْلَالِ: الْوَطَنِيَّةُ الْمُتَجَدِّدَةُ عَبْرَ الْأَجْيَالِ

اَلْخُطْبَةُ الْأَولَى:
     اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، جَبَلَ الْإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ وَطَنِــهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَأَشْهَــــدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلِــــيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَـــدُ أَنَّ سَيِّــــــدَنَا مُحَمَّـــــدًا عَبْــــدُهُ وَرَسُولُهُ، كَانَ قَلْبُهُ يَفِيضُ لِوَطَنِهِ بِالْحُبِّ وَالشَّوْقِ وَالْحَنِينِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــــهِ وَأَصْحَـابِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِـرِينَ، وَمَـــــنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُـــمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي الْوَفَاءِ لِدِينِهِ وَوَطَنِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
  اِنْطِلَاقًا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ) فَإِنَّنَا نُذَكِّرُ أَنْفُسَنَا وَإِيَّاكُمْ بِأَنَّ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ الْمَشْهُودَةِ فِي تَارِيخِ مَغْرِبِنَا الْحَبِيـبِ: يَوْمَ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ نُوَنْبِرْ الذِي تُخَلِّدُ فِيهِ الْأُمَّــةُ الْمَغْرِبِيَّةُ ذِكْرَى مِنْ أَعَزِّ ذِكْرَيَاتِهَا الْوَطَنِيَّةِ الْمَجِيدَةِ، ذِكْرَى بُزُوغِ شَمْسِ الْحُرِّيَّةِ والِاسْتِقْلَالِ، وَأُفُولِ شَمْسِ الِاحْتِلَالِ وَالِاسْتِغْلَالِ، وَبِهَـــذِهِ الْمُنَاسَبَةِ الْوَطَنِيَّــــةِ الْغَــالِيَةِ، سَيَكُونُ عُنْـوَانُ خُطْبَتِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَـارَكِ السَّعِيدِ  بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ: ذِكْرَى عِيدِ الِاسْتِقْلَالِ: الْوَطَنِيَّةُ الْمُتَجَدِّدَةُ عَبْرَ الْأَجْيَالِ، وَسَيَنْتَظِمُ كَلَامُنَا حَوْلَ هَذَا الْعُنْوَانِ فِي ثَلَاثَةِ عَنَاصِرَ:
الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ الْوَطَنِ وَمَكَانَتُهُ فِي حَيَاةِ الْإِنْسَانِ، قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: الْوَطَنُ الْمَنْزِلُ الذِي تُقِيمُ فِيهِ، وَهُوَ مَوْطِنُ الْإِنْسَانِ وَمَحَلُّهُ... وَفِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ: الْبَلَدُ الذِي يَنْتَمِي إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ أَباً عَنْ جَدٍّ، وَيَرْتَبِطُ بِهِ اِرْتِبَاطًا تَارِيخِياً طَوِيلًا، لِأَنَّهُ الْمَكَانُ الذِي تَوَلَّدَتْ فِيهِ هُوِيَّتُهُ... وَ الْوَطَنُ هُوَ أَغْلَى مَا يَمْلِكُهُ الْمَرْءُ بَعْدَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْدُ صِبَاهُ، وَمَدْرَجُ خُطَاهُ، وَمَرْتَعُ طُفُولَتِهِ، وَمَلْجَأُ كُهُولَتِهِ، وَمَنْبَعُ ذِكْرَيَاتِهِ، وَمَوْطِنُ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ، وَمَأْوَى أَبْنَائِهِ وَأَحْفَادِهِ، فَحَبُّ الْوَطَنِ مَغْرُوزٌ فِي فِطْرَةِ الْإِنْسَانِ، قَالَ اللَّهِ تَعَالَى مُقَرِّراً هَــذَا الْمَعْنَى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمُ أَنُ اقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمُ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ... فَقَدْ قَرَنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ مُفَارَقَةِ الْوَطَنِ وَقَتْـلِ النَّفْسِ، وَكَأَنَّ الْبَقَاءَ فِي الْوَطَنِ يُسَاوِي الْحَيَاةَ، وَمُفَارَقَتَهُ تُسَاوِي الْمَوْتَ.
الْعُنْصُرُ الثَّانِي: حُبُّ الْوَطَنِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ الْكِرَامِ، فَقَدْ ضَرَبُواْ لَنَا أَرْوَعَ الْأَمْثَالِ فِي حُبِّهِمْ لِوَطَنِهِمْ، حَيْثُ كَانَتْ أَقْوَالُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ تَفِيضُ شَوْقاً وَحَنِياً إِلَيْهِ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمَكَّةَ: مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِليَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ. وَلَمَّا كَانَ تَرْكُ الْوَطَنِ قَاسِياً عَلَى النَّفْسِ، فَقَدْ كَانَ لِلْمُهَاجِرِينَ عَلَى الْأَنْصَارِ أَفْضَلِيَّةُ تَرْكِ الْوَطَنِ، لِأَنَّ تَرْكَهُ لَيْسَ بِالْأَمْرِ السَّهْلِ عَلَى النَّفْسِ، وَلِذَلِكُمْ مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى  الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الذِينَ أُخْرِجُواْ مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُـمُ الصَّادِقُونَ. وَاقْتِدَاءً بِسِيرَةِ هَؤُلَاءِ الْكِرَامِ يَنْبَغِي عَلَيْنَا – أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ- أَنْ نَغْرِسَ فِي قُلُوبِ أَبْنَائِنَا حُبَّهُمْ لِوَطَنِهِمْ، لِأَنَّهُمْ أَمَلُ الْوَطَنِ وَبُنَاةُ الْغَدِ، فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِيَ إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ.
 نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبِينِ، وَبِسُنَّةِ نَبيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمينَ
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
  اَلْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ: 
الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: مِنْ مَوَاقِفِ حُبِّ الْوَطَنِ، فَمِنْ أَرْوَعِ الْمَوَاقِفِ فِي مَغْرِبِنَا الْحَبِيبِ: أَنَّ الِاسْتِعْمَارَ الْفَرَنْسِيَّ لَمَّا دَخَلَ إِلَى الْمَغْرِبِ كَانَ هَادِفاً إِلَى اسْتِغْلَالِ خَيْرَاتِهِ وَطَمْسِ هُوِيَّتِهِ الدِّينِيَّةِ وَالْوَطَنِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ اصْطَدَمَ بِآلَافِ الْمَغَارِبَةِ الْوَطَنِيِّينَ، فَقَاوَمُوهُ بِكُلِّ وَسَائِلِ الْمُقَاوَمَةِ، تَحْتَ قِيَــــادَةِ الْمَغْفُــورِ لَهُ الْمَلِــكِ مُحَمَّدٍ الْخَامِسِ طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ، وَلَمْ يَثْنِ عَزَائِمَهُمُ النَّفْيُ وَلَا السُّجُونُ وَلَا الْقَتْلُ وَلَا أَنْوَاعُ التَّعْذِيبِ، حَتَّى ارْتَحَلَ آخِرُ جُنْدِيٍّ مِنْ جُنُودِ الِاسْتِعْمَارِ، وَبَزَغَ فَجْرُ الْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ، فِي الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ نَوَنْبِرْ سَنَةَ أَلْفٍ وَتِسْعِمِائَةٍ وَسِتٍ وَخَمْسِينَ (1956م)، وَهَا هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ جَلاَلَةُ الْمَلِكِ مُحَمَّدٌ السَّادِسُ حَفِظَهُ اللَّهُ يُوَاصِلُ السَّيْرَ عَلَى نَفْسِ الْخُطْوَاتِ،  مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقَ الِاسْتِقْلَالِ عَلَى كَافَّةِ الْمُسْتَوَيَاتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ. 
من إعداد الأستاذ رشيد المعاشي.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-