خامس صفات عباد الرحمان (الاعتدال في الانفاق) - خطبة مؤثرة

خامس صفات عباد الرحمان (الاعتدال في الانفاق)
بسم الله الرحمان الرحيم

اقتباس من الخطبة:

 من صفات عباد الرحمان التوسط في إنفاق المال، فهم ينفقون أموالهم على أنفسهم وعلى دويهم وفي سبيل الله دون إسراف ولا إقتار.

خامس صفات عباد الرحمان (الاعتدال في الانفاق)

 الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتنال القربات، وترفع الدرجات، والصلام والسلام على أشرف الكائنات، سيدنا وحبيبنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين ... (المقدمة) أما بعد:
 معشر المومنين والمومنات: لا يزال حديثنا متواصلا عن صفات عباد الرحمان المكرمين الذين يحبهم الله عز وجل ويحبونه، وقد حدثنا الله عن حالهم في أنفسهم أنهم (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)، وعن حالهم مع السفهاء والجهال من الناس، وحالهم أنهم (َإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، وحدثنا الحق سبحانه عن حالهم معه فهم (يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً)، وحالهم في قرباتهم إلى مولاهم فهم يعبدونه خوفا من عذابه وطمعا في رحمته (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا،إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا)، ثم انتقل سبحانه ليبن حالهم في أموالهم فقال سبحانه في الصفة الخامسة (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)، فمن صفاتهم التوسط في إنفاق المال،فهم ينفقون أموالهم على أنفسهم وعلى دويهم وفي سبيل الله دون إسراف ولا إقتار، وفي الآية الكريمة إشارة إلى أن عباد المكرمين وأولياءه الصالحين يمكن أن يكونوا أغنياء، ولهم أموال كثيرة، بخلاف ما يعتقده بعض الناس أنه من أراد الآخرة وأراد أن يكون وليا لله يجب عليه ترك الدنيا، وهذا خطأ،فقد يكون العبد صالحا ووليا لله وله من أنواع المال الكثير، لكنه يؤدي حقه ولا يشغله ولا يلهيه عن طاعة الله وعبادته قال الله عز وجل في هذا الصنف من الناس (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)
 والمال مال الله عز وجل ونحن مستخلفون فيه، يعطيه لمن يحب ويعطيه لمن لا يحب، وهو نعمة يجب أن نشكر الله عليها، وأمانة يجب أن نراعي الأوامر الإلهية فيها من جهة كسبها ومن جهة الإنفاق منها لأننا سنسأل هنها يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزولُ قدَمَا عبد يومَ القيامة، حتى يُسألَ عن أربع» وذكر منها «وعن ما له من أين اكتسبه وفيم أنفقه»
 عباد الله: فإذا كان المال مال الله ونحن مستخلفون فيه، فإن الله قد بين لنا كيف نكسبه وكيف ننفقه، فأما كسبه فهو بتحري الحلال وعدم الغش، وعدم التعامل بالربا وغيرها من الطرق الغير المشروعة، وأما نفقته فهذا ما بينه الحق عز وجل في صفات عباد الرحمان (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) وقال كذلك (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)، وقال كذلك (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) وقال كذلك (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)، والإسراف هو مجاوزة الحد في النفقة، أما التبذير فهو عدم إحسان التصرف في المال وصرفه فيما لا ينبغي، من الشهوات والمباحات فيما لا نفع فيه، أما صرف المال إلى وجوه الخير وعلى المحتاجين فليس بتبذير ولذلك قيل (لا خير في إسراف، ولا إسراف في خير)، وفي هذا كان يتنافس الصحابة رضوان الله عليهم، جاء في سنن أبي داود عن عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ رضى الله عنه قال: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالاً عِنْدِى فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ»، قُلْتُ مِثْلَهُ، قَالَ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ»، قَالَ أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ لاَ أُسَابِقُكَ إِلَى شَىْءٍ أَبَدًا.
 نفعني الله واياكم بالقرآن المبين، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الخطبة الثانية:

 الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى آله ومن والاه، أما بعد :
 عباد الله: رأينا في الخطبة الأولى كيف يتصرف عباد الرحمان في أموالهم التي استخلفهم الله فيها، فهم يتنافسون في إنفاقها في سبيل الله، ويتوسطون في الإنفاق في معاشهم فهم لا يسرفون وكذلك يقترون أي لا يبخلون، والبخل وهو أن يمنع الإنسان نفسه وأهله من ماله، فالمال في يده وهو محروم منه، وهذا ليس من خصال عباد الله المكرمين، لأن الله عز وجل يحب أن يرى أثر نعمته على عباده، روى الإمام أحمد وابن حبان عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَآنِي رَثَّ الثِّيَابِ فَقَالَ لِي: «أَلَكَ مَالٌ؟»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، مِنْ كُلِّ الْمَالِ قَدْ آتَانِيَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: «فَإِذَا آتَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ»، هذا حال عباد الرحمان لا يسرفون ولا يبخلون بالنفقة على من يعولون، فهم يعرفون حق المسؤولية ويحتسبون الأجر عند الله عز وجل، روى الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ: دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ»، وقال كذلك النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أَبي وقاص كما في صحيح البخاري: «وإنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إلاَّ أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ في فيِّ امرأتِك».
الختم بالدعاء...
الراجي عفو ربه
ابراهيم ابو سعد
اسألكم الدعاء

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-