نعمة الأمن

الأمن نعمة عظيمة من الله بعد نعمة الدين، بل نعمة الدين نفسها لا تتم إلا مع وجود نعمة الأمن.
بسم الله الرحمان الرحيم 
 الحمد لله الذي من علينا بمنة الإيمان والأمان، وأنعم علينا بنعمة الإسلام والقرآن، وأشهد أن لا إله إلا الله الواهب المنان، المتفضل على عباده بالخير والإحسان، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله العظيم الشان، المختار من ولد عدنان، صلى الله وسلم عليه ما طلع النيران، وتعاقب الملوان، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى أن يقوم الناس للواحد الديان. 
 إخواني وأخواتي في الله: إن الإنسان مملكة من النعم الربانية، فنعم الله لا تعد ولا تحصى، ومننه كثيرة لا تستقصى، ومن هذه النعم نعمة الأمن، فالأمن أيها الإخوة، نعمة عظيمة من الله بعد نعمة الدين، بل نعمة الدين نفسها لا تتم إلا مع وجود نعمة الأمن، فلا قيمة لنعمة الصحة ولا لنعمة المال ولا لنعمة الأولاد ولا لنعمة العلم إلا في ظل نعمة الأمن، فبالأمن تطمئن النفوس وتنشرح الصدور، وتستقيم الأمور، ويتفرغ العباد لمصالح دينهم ودنياهم، ومعاشهم ومعادهم، فإذا اختلّت نعمة الأمن، أو فُقدت فسدت الحياة، وشقيت الأمم، وساءت الأحوال، وتغيرت النعم بأضدادها، فصار الخوف بدل الأمن، والجوع بدل رغد العيش، والفوضى بدل اجتماع الكلمة، والظلم والعدوان بدل العدل والرحمة، ولذلك كان الأمن أول ما دعا سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ربه عز وجل لتحقيقه في مكة ، يقول الله جل في علاه:(وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ اِ۪جْعَلْ هَٰذَا بَلَداً اٰمِناٗ وَارْزُقَ اَهْلَهُۥ مِنَ اَ۬لثَّمَرَٰتِ مَنَ اٰمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ اِ۬لَاخِرِ)
 وكان حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذا رأى الهلال في أول الشهر دعا قائلا: "اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام" 
 وقد ربط ربنا عز وجل نعمة الأمن بنعمة الدين، فأحاط بيته الحرام بسياج من الأمن، وجعله حرما آمنا، من أراد فيه إلحادا بظلم أذاقه من عذابه الأليم، وذلك حتى يستطيع العاكفون والطائفون والقائمون والركعُ السجودُ أداء عبادتهم في جو روحاني هادئ مطمئن، وقد ذكر قريشا بهذه النعمة فقال عز من قائل: (فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا اَ۬لْبَيْتِ، اِ۬لذِےٓ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٖ، وَءَامَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) 
 إخوة الإيمان: من عاش في أمن وأمان، وهدوء واطمئنان، وسلم وسلام، فكأنه ملك الدنيا بأسرها، وانقاد له الكون كله، يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في سنن الترمذي بإسناد حسن: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًا فِي جِسْمِهِ عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» 
 ولكن لا يدرك قيمة هذه النعمة إلا من فقدها، فعاش في خوف صباحه ومساءه، وقضى تحت شبح الرعب ليله ونهاره، لا يأمن على نفسه، فضلا عن أهله وماله، فكيف نحافظ على هذه النعمة، وكيف نساهم في دوامها واستمرارها، يكون ذلك بأن نتقي الله تعالى ونسعى في مرضاته، فنمتثل مأموراته، ونجتنب منهياته، ولا نتعدى حدوده، ولا نأتي محرماته، نؤدي للخالق واجبه، وللمخلوق حقه، ونربي على ذلك أولادنا، ونحث عليه غيرنا، ليشارك الجميع في سير قاطرة الأمن على سكتها الصحيحة، يقول ربنا عز وجل: (وَعَدَ اَ۬للَّهُ اُ۬لذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ اُ۬لصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِے اِ۬لَارْضِ كَمَا اَ۪سْتَخْلَفَ اَ۬لذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ اُ۬لذِے اِ۪رْتَض۪يٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمُۥٓ أَمْناٗ) 
أما إذا خرج الناس عن دائرة الدين فأخَلُّوا بالواجبات، وانتهكوا الحرمات، وارتكبوا الموبقات، ووقعوا في المحرمات، فإن الله يسلُبهم هذه النعمة، فيضطرب الأمن، ويسود الخوف، وتعم الفتن، ولا يأمن أحد على نفسه وأهله وماله، قال الله تعالى في كتابه الكريم:(وَضَرَبَ اَ۬للَّهُ مَثَلاٗ قَرْيَةٗ كَانَتَ اٰمِنَةٗ مُّطْمَئِنَّةٗ يَاتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداٗ مِّن كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اِ۬للَّهِ فَأَذَاقَهَا اَ۬للَّهُ لِبَاسَ اَ۬لْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) 
 وقد قص الله علينا في القرآن قصص أقوام ماضية عاشوا في أمن وأمان، فكفروا بالله وكذبوا رسله فبدل الله أمنهم خوفا، وراحتهم قلقا واضطرابا، فهذا أهل سبإ كانوا يتقلبون في نعم الله وخيراته آمنين في بلادهم، مطمئنين على أنفسهم وأموالهم، فكفروا وجحدوا، فذهبت عنهم النعم، وحلت بهم النقم. 
 إخواني وأخواتي في الله: لا يكفي للمومن أن يسعى لتوطيد الأمن في الدنيا، بل يعمل لتحقيق الأمن الأخروي، والأمن الأخروي يتحقق بعبادة الله عز وجل وإخلاص الدين له سبحانه، واجتناب معصيته ومخالفة أوامره، قال الله جل في علاه: (اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ ا۟وْلَٰٓئِكَ لَهُمُ اُ۬لَامْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) 
 فاللهم أدم علينا وعلى بلاد المسلمين نِعَمَ الأمن والأمان، والسلامة والإسلام، وصل اللهم وسلم وبارك وأنعم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، 
    آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-