فضل صحبة الصالحين - خطبة مشكولة ومؤثرة

فضل صحبة الصالحين - خطبة مشكولة ومؤثرة

فضل صحبة الصالحين - خطبة مشكولة ومؤثرة


 فضل صحبة الصالحين - خطبة مشكولة ومؤثرة


بسم الله الرحمان الرحيم 


خطبة جمعة بعنوان:

فَضْلُ صُحْبَةِ الصَّالِحِينَ، فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الدِّين 


عناصر الخطبة

  • أَثَرُ الصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ عَلَى الْمُجْتَمَعِ
  • فَضْلُ الصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ في الدنيا 
  • فَضْلُ الصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ في الآخرة


اَلْخُطْبَةُ الْأَولَى:


     اَلْحَمْدُ لِلَّهِ وَاسِعِ الْفَضْلِ وَالْإِنْعَامِ، جَعَلَ الْإِنْسَانَ كَائِنًا اجْتِمَاعِيًّا عَلَى الدَّوَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اَلْغَنِيُّ عَنِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَسَائِرِ الْأَنَامِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، جَعَلَ صُحْبَةَ الْأَخْيَارِ مِنْ خِصَالِ الْإِسْلَامِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْكِرَامِ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ بِإِحْسَانٍ مَا تَعَاقَبَتِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ.


أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:


    حَدِيثُنَا مَا زَالَ مُتَوَاصِلًا وَإِيَّاكُمْ حَوْلَ مَوْضُوعِ الصُّحْبَةِ، وَخُلَاصَةُ مَا ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْإِنْسَانَ بِطَبِيعَتِهِ يَتَأَثَّرُ بِأَصْحَابِهِ وَرُفَقَائِهِ، لِذَلِكُمْ دَعَانَا الْإِسْلَامُ إِلَى صُحْبَةِ الصَّالِحِينَ، فَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ جُلَسَائِنَا خَيْرٌ؟ فَقَالَ: مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ، وَزَادَ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَذَكَّرَكُمْ بِالْآخِرَةِ عَمَلُهُ. 


ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الصِّنْفَ يَكُونُ مِرْآةً لِصَاحِبِهِ، وَيَقِفُ مَعَهُ فِي مَحَنِهِ وَشَدَائِدِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ. 


أَمَّا الْيَوْمَ فَسَيَكُونُ عُنْوَانُ خُطْبَتِنَا - بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى - هُوَ: فَضْلُ صُحْبَةِ الصَّالِحِينَ، فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الدِّينِ، وَسَيَنْتَظِمُ كَلَامُنَا حَوْلَ هَذَا الْعُنْوَانِ فِي عُنْصُرَيْنِ اثْنَيْنِ:


الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: أَثَرُ الصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ عَلَى الْمُجْتَمَعِ، 


  فَعِنْدَمَا تَعُمُّ الْمُجْتَمَعَ عَلَاقَاتٌ طَيِّبَةٌ، وَصَدَاقَاتٌ صَافِيَةٌ، لَا رَيْبَ أَنَّهُ سَيَكُونُ مُجْتَمَعًا قَوِيًّا مُتَمَاسِكًا عَلَى كَافَّةِ الْمُسْتَوَيَاتِ، لِذَلِكُمْ لَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، كَانَ مِنْ أَهَمِّ أَعْمَالِهِ - بَعْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ - الْمُؤَاخَاةُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالتَّأْكِيدُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُخُوَّةَ هِيَ الَّتِي تَضْمَنُ لِلْمُجْتَمَعِ الْوِقَايَةَ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَابِ التَّمَزُّقِ وَالشَّتَاتِ.


 رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَاَ تَبَاغَضُواْ، وَلَاَ تَحَاسَدُواْ، وَلَاَ تَدَابَرُواْ، وَكُونُواْ عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاَثِ لَيَالٍ". 


وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ".


الْعُنْصُرُ الثَّانِي: فَضْلُ الصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ، 


فَصُحْبَةُ الصَّالِحِينَ الْأَبْرَارِ، عِبَادَةٌ يَتَقَرَّبُ بِهَا الْمُسْلِمُ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ، إِذَا تَجَرَّدَ ذَلِكَ عَنِ الْأَغْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَخَسِيسِ الْأَوْطَارِ، لِذَلِكُمْ فَقَدْ رَتَّبَ الشَّرْعُ الْحَكِيمُ عَلَيْهَا فَضْلًا عَظِيمًا عَلَى مُسْتَوِيَيْنِ:


اَلْمُسْتَوَى الْأَوَّلُ: فَضْلُهَا فِي الدُّنْيَا، 


وَمِمَّا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللَّهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ". 


وَإِذَا نَالَ الْعَبْدُ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَضَعَ لَهُ الْقَبُولَ فِي الْأَرْضِ، وأَحَبَّهُ جَمِيعُ الْخَلْقِ.


 رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأُحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ..."


  نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبِينِ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَأَجَارَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنْ عَذَابِهِ الْمُهِينِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.


اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ


 اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.


أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:


اَلْمُسْتَوَى الثَّانِي: فَضْلُهَا فِي الْآخِرَةِ، 


وَمِمَّا وَرَدَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ: (اَلْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ). 


قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَيْ: كُلُّ صَدَاقَةٍ وَصُحْبَةٍ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهَا تَنْقَلِبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدَاوَةً، إِلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ دَائِمٌ بِدَوَامِهِ. 


وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، قَالُواْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّواْ بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.


 فَاتَّقُواْ اللَّهَ  أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ -، وَأَكْثَرُواْ مِنْ صُحْبَةِ الْأَخْيَارِ، فَإِنَّهُمْ سَبَبٌ لِلسَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَدَارِ الْقَرَارِ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَبْصَارِ.


الختم بالدعاء


اعداد الأستاذ رشيد المعاشي

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-