خطبة المسيرة الخضؤاء - حَاجَةُ الْمُؤْمِنِينَ الْعُقَلَاءِ، إِلَى رُوحِ الْمَسِيرَةِ الْخَضْرَاء

 خطبة المسيرة الخضؤاء - حَاجَةُ الْمُؤْمِنِينَ الْعُقَلَاءِ، إِلَى رُوحِ الْمَسِيرَةِ الْخَضْرَاء.

خطبة المسيرة الخضؤاء - حَاجَةُ الْمُؤْمِنِينَ الْعُقَلَاءِ، إِلَى رُوحِ الْمَسِيرَةِ الْخَضْرَاء
خطبة المسيرة الخضؤاء - حَاجَةُ الْمُؤْمِنِينَ الْعُقَلَاءِ، إِلَى رُوحِ الْمَسِيرَةِ الْخَضْرَاء

حَاجَةُ الْمُؤْمِنِينَ الْعُقَلَاءِ، إِلَى رُوحِ الْمَسِيرَةِ الْخَضْرَاء

عناصر الخطبة:

  • مَفْهُومُ الْمَسِيرَةِ الْخَضْرَاءِ وَأَثَرُهَا
  • حَاجَتُنَا إِلَى رُوحِ الْمَسِيرَةِ الْخَضْرَاءِ


اقتباس من الخطبة:

وَإِنَّ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ الْمَشْهُودَةِ فِي تَارِيخِ مَغْرِبِنَا الْحَبِيبِ: ذِكْرَى الْمَسِيرَةِ الْخَضْـرَاءِ الْمُظَفَّرَةِ، الَّتِي كَانَ شِعَارُهَا الْقُرْآنَ، وَغَايَتُهَا جَمْعُ كَلِمَةِ الْإِخْوَانِ...


الخطبة الأولى:

    اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ الْمُصْلِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى الْوَحْدَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.


أَمَّا بَعْد:

   يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَقَدَ اَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنَ اَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ.. يَعْنِي: يَا مُوسَى عِظْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا سَلَفَ فِيهِمْ مِنَ النِّعَمِ، وَمِنْهَا غَرَقُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَنَجَاتُهُمْ مِنَ عَذَابِهِ، وَإِنَّ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ الْمَشْهُودَةِ فِي تَارِيخِ مَغْرِبِنَا الْحَبِيبِ: ذِكْرَى الْمَسِيرَةِ الْخَضْـرَاءِ الْمُظَفَّرَةِ، الَّتِي كَانَ شِعَارُهَا الْقُرْآنَ، وَغَايَتُهَا جَمْعُ كَلِمَةِ الْإِخْوَانِ، وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ الْوَطَنِيَّةِ الْغَالِيَةِ، سَيَكُونُ عُنْوَانُ موضوعنا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ: حَاجَةُ الْمُؤْمِنِينَ الْعُقَلَاءِ، إِلَى رُوحِ الْمَسِيرَةِ الْخَضْرَاءِ، وَسَيَنْتَظِمُ كَلَامُنَا حَوْلَ هَذَا الْعُنْوَانِ فِي عُنْصُرَيْنِ اثْنَيْنِ:


الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ الْمَسِيرَةِ الْخَضْرَاءِ وَأَثَرُهَا.

  فَهِيَ: مَسِيرَةٌ سِلْمِيَّةٌ أَبْدَعَهَا الْمَلِكُ الْحَسَنُ الثَّانِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَشَارَكَ فِيهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ أَلْفَ مَغْرِبِيٍّ وَمَغْرِبِيَّةٍ مِنْ جَمِيعِ الْمُدُنِ، وَاتَّجَهَتْ نَحْوَ أَقَالِيمِنَا الْجَنُوبِيَّةِ، يَوْمَ السَّادِسِ مِنْ نُونْبِرْ سَنَةَ: أَلْفٍ وَتِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعِينَ، لِإِنْهَاءِ الِاحْتِلَالِ الْإِسْبَانِيِّ بِالصَّحْرَاءِ الْمَغْرِبِيَّةِ، وَضَمِّ تِلْكَ الْأَقَالِيمِ إِلَى الْبَلَدِ الْأُمِّ، وَإِضَافَةِ لَبِنَةٍ أُخْرَى إِلَى الْوَحْدَةِ الْمَغْرِبِيَّةِ. وَقَبْلَ يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنَ الِانْطِلَاقِ، وَجَّهَ الْمَلِكُ الْحَسَنُ الثَّانِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِلَى الشَّعْبِ الْمَغْرِبِيِّ خِطَابًا مِلْؤُهُ الْمَشَاعِرُ الصَّادِقَةُ، وَكَانَ مِمَّا قَالَ فِيهِ: غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَتَخْتَرِقُ الْحُدُودَ، غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَتَنْطَلِقُ الْمَسِيرَةُ الْخَضْرَاءُ، غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَتَطَأُونَ طَرَفًا مِنْ أَرَاضِيكُمْ، وَسَتَلْمِسُونَ رَمْلًا مِنْ رِمَالِكُمْ، وَسَتُقَبِّلُونَ ثَرًى مِنْ وَطَنِكُمُ الْعَزِيزِ.

  وَبِسَبَبِ تِلْكَ الْمَسِيرَةِ الخضراء الْمُبَارَكَةِ، هَا هِيَ أَقَالِيمُنَا الْجَنُوبِيَّةُ الْيَوْمَ، تَنْعَمُ بِالْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ، وَالرُّقِيِّ وَالتَّقَدُّمِ وَالِازْدِهَارِ، تَحْتَ الْقِيَادَةِ الرَّشِيدَةِ لِمَوْلَانَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، جَلَالَةِ الْمَلِكِ مُحَمَّدٍ السَّادِسِ حَفِظَهُ اللَّهُ، اَلَّذِي مَا فَتِئَ يَسْعَى إِلَى جَمْعِ الْكَلِمَةِ وَتَوْحِيدِ الصَّفِّ، وَالنُّهُوضِ بِهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ فِي مُخْتَلِفِ الْمَيَادِينِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.


الْعُنْصُرُ الثَّانِي: حَاجَتُنَا إِلَى رُوحِ الْمَسِيرَةِ الْخَضْرَاءِ، 

  فَإِذَا كَانَ آبَاؤُنَا وَأَجْدَادُنَا الْمُجَاهِدُونَ الْأَفْذَاذُ، قَدْ قَامُواْ بِهَذِهِ الْمَسِيرَةِ السِّلْمِيَّةِ لِتَحْرِيرِ أَقَالِيمِنَا الْجَنُوبِيَّةِ الْمُسْتَعْمَرَةِ، فَإِنَّنَا الْيَوْمَ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَى مَسِيرَةٍ لَا نَجُوبُ فِيهَا الشَّوَارِعَ وَالطُّرُقَاتِ، وَلَا نَتَجَمَّعُ لَهَا فِي السَّاحَاتِ، بَلْ هِيَ مَسِيرَةٌ مُسْتَوَيَيْنِ رَئِيسِيَّيْنِ:


الْمُسْتَوَى الْأَوَّلُ: الْعَقِيدَةُ 

فَنَحْنُ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَى رَبْطِ قُلُوبِ أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا بِعَقِيدَتِهِمُ الْإِسْلَامِيَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّافِيَةِ، اَلَّتِي تَرْبِطُهُمْ بِاللَّهِ تَعَالَى، ذَلِكَ أَنَّ الْعَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ هِيَ سَبَبُ صَلَاحِ الْإِنْسَانِ وَاسْتِقَامَتِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ الْأَثَرَ الْإِيجَابِيَّ لِلْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ عَلَى السُّلُوكِ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ.

  وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَـا وَهُوَ مُؤْمِنٌ... قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيْ: لَا يَفْعَلُ هَذِهِ الْمَعَاصِيَ وَهُوَ كَامِلُ الْإِيمَانِ، وَهَذَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَى نَفْيِ الشَّيْءِ وَيُرَادُ نَفْيُ كَمَالِهِ، كَمَا يُقَالُ: لَا عِلْمَ إِلَّا مَا نَفَعَ، وَلَا مَالَ إِلَّا الْإِبِلَ، وَلَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشَ الْآخِرَةِ.

  نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبِينِ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَأَجَارَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنْ عَذَابِهِ الْمُهِينِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.


الخطبة الثانية:

   اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ ؛... :

الْمُسْتَوَى الثَّانِي: الْأَخْلَاقُ

  فَنَحْنُ كَذَلِكَ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَى مَسِيرَةٍ ضِدَّ الْغَزْوِ الْفِكْرِيِّ الَّذِي يَسْتَهْدِفُ أَخْلَاقَ الْمُجْتَمَعَاتِ، بِمَا يَبُثُّهُ مِنَ الرَّذَائِلِ، مُسْتَعْمَلًا لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ مُخْتَلِفَ الْوَسَائِلِ، حَتَّى مَاتَ - أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ ضَعُفَ - الشُّعُورُ الدِّينِيُّ عِنْدَ الْكَثِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، فَأَصْبَحُواْ يُعُدُّونَ الْمَعَاصِيَ مِنَ الْأَفْعَالِ الْعَادِيَاتِ، وَتَقْدِيمَ النُّصْحِ تَدَخُّلًا فِي الْخُصُوصِيَّاتِ، فَتَهَاوَتْ بِذَلِكَ الْكَثِيرُ مِنَ الْمُرْتَكَزَاتِ، اَلَّتِي كُنَّا نُعَوِّلُ عَلَيْهَا لِتَمَاسُكِ الْمُجْتَمَعَاتِ، إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ جل جلاله، رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ عَرْضَ الْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى يَصِيرَ الْقَلْبُ أَبْيَضَ مِثْلَ الصَّفَا، لَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدَ مُرْبَدًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ. فَاتَّقُواْ اللَّهَ – أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ -، وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.


الختم باَلدُّعَاء.

الخطيب ذ. خالد المعاشي حفظه الله.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-