خطبة مؤثرة عن الزلازل وكيف ينبغي أن يتفاعل المسلم معها إيجابيا

 خطبة مؤثرة عن الزلازل وكيف ينبغي أن يتفاعل المسلم معها إيجابيا

خطبة مؤثرة عن الزلازل وكيف ينبغي أن يتفاعل المسلم معها إيجابيا
خطبة مؤثرة عن الزلازل وكيف ينبغي أن يتفاعل المسلم معها إيجابيا


الزلازل وكيف ينبغي أن يتفاعل المسلم معها إيجابيا في الحالتين: الإيمانية والعملية


عناصر الخطبة:

  • كيف ينبغي أن نتعامل مع الزلازل في الحالة الإيمانية
  1. نتعلم أن الزلزال علامة من علامات الساعة
  2. نتعلم أن الزلازل الصغرى أمثلة لما سيحدث في زلزلة الساعة العظمى
  3. نتعلم أن الله تعالى بهذه الزلازل يأخذنا من الأصغر لنستوعب الأكبر
  • كيف ينبغي أن نتعامل مع الزلازل في الحالة العملية
  1. المبادرة بتقديم المساعدة للضحايا والمنكوبين والمصابين
  2. الدعاء للمصابين بالشفاء العاجل 
  3. صلاة الجنازة على الموتى والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة
  • لُبُّ العِبَر  من الزلازل هو التوبة النصوح


اقتباس من الخطبة:

  والله تعالى يعطينا في الدنيا بهذه الزلازل الصغرى أمثلة لما سيحدث في الزلزلة العظمى ...


الخطبة الأولى:


الحمد لله الذي يمتحن الصالحين في الدنيا بالمصائب والزلازل، ليبلوكم أيكم أحسن عملا بالبراهين والدلائل، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الإسلام منبع كل المكارم والفضائل، ووقاية من كل المفاسد والرذائل، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي ختمت رسالته كل الرسائل، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا في كل خير من الأوائل، وعلى التابعين لهم في التمسك بما في دين الله من الأحكام والمسائل. 


أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.

  قد مر على العالم في الآونة الأخيرة أحداث جسام، ومصائب وفتن، وكوارث ومحن، اهتزت القلوب من أجلها، وتحيرت النفوس بسببها، واقشعرت الجلود خوفا منها: فالأعاصير إذا جاءت دمرت كل شيء بإذن ربها، والحروب حينما تَسْتـعِر يحمى وطيسها، والأمراض الخطيرة حينما تنتشر ترتفع أرقامها، والزلازل تَـهُزُّ من الأرض هنا وهناك الجوانب والأطراف، فتخلف ضحايا تعد بالآلاف، في لحظات تعد بالثواني.


 وقد عشنا في هذا الأسبوع زلزالا عنيفا جعل الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد؛ والمسلم مطالب بأخذ العبر والعظات والفوائد، مما يقع حوله من الأحداث والحوادث، فيتفاعل معها بما يفيده ويفيد غيره إيجابيا؛ والعاقل من أخذ العبرة من غيره، والغافل من كان عبرة لغيره.


فتعالوا بنا اليوم لنقف عند هذا الحدث المؤلم لحظات، لنأخذ منه العبر والعظات، ولنسكب حوله الدموع والعبرات، لنتفاعل معه على مستوى الحالتين: الحالة الإيمانية، والحالة العملية: 


أما في الحالة الإيمانية فينبغي أن نتعلم:

أولا: نتعلم أن الزلزال علامة من علامات الساعة؛ فقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة... حتى يقبض العلم، ‌وتكثر ‌الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج -وهو القتل القتل-...، وحتى يتطاول الناس في البنيان...»؛ 


والمسلم العاقل حينما يرى علامات أي شيء فإنه يستعد له، ومما يجب أن نستعد به للساعة هو حسن الخاتمة، والخاتمة لا ندري متى وأين تكون، ولهذا ينبغي أن نعتبر كل لحظة قد تكون الخاتمة فنحسن فيها العمل لنحقق لأنفسنا في الآخرة حسن الأمل؛ يقول الله تعالى: {فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم ‌بَغۡتَةٗ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَا}.


ثانيا: نتعلم أن الزلازل الصغيرة المحدودة مكانا وزمانا مثال واضح للزلزلة الشاملة العامة لكل مكان، المنهية لمقاييس الزمان؛ والله تعالى يعطينا في الدنيا بهذه الزلازل الصغرى أمثلة لما سيحدث في الزلزلة العظمى؛ 


فنحن حينما نفكر في هذه الأرض التي نعيش فوقها؛ بطبيعتها الخلابة، وخضرتها الجميلة الناضرة، ومياهها العذبة الطاهرة، وبحارها الممتدة العميقة، نجد أن هذا كله لا يعدو أن يكون مجرد قشرة تَحُول بيننا وبين النيران المشتعلة في عمق هذه الأرض، والمستعرة في نواتها، وهذه القشرة السطحية بالنسبة للأرض هي كنسبة قشرة التفاحة للتفاحة كما يقول أهل الاختصاص؛ قال الله تعالى: {إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِينَةٗ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَيُّهُمۡ ‌أَحۡسَنُ ‌عَمَلٗا وَإِنَّا لَجَٰعِلُونَ مَا عَلَيۡهَا صَعِيدٗا جُرُزاً}؛ 

والصَعيد الجرُز هو: الخراب من الأرض التي لا نبات فيه؛ ومن هنا يجب أن نعلم أننا نعيش على هذه الأرض فوق لغم كبير قد ينفجر في أي لحظة.


ثالثا: نتعلم أن الله تعالى بهذه الزلازل يأخذنا من الأصغر لنستوعب الأكبر؛ فهذه هزة أرضية محدودة، شعر بها الناس، واستشعروا خطرها، وهي هزة صغرى تذكرنا بالزلزلة الكبرى؛ فقد جاءتنا فجأة دون سابق إنذار وهكذا زلزلة الساعة، فاهتزت الأرض تحت أقدامنا، وهكذا زلزلة الساعة التي ستصبح بها الأرض قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، ولا يمكن للعقل أن يدرك كنهها وحقيقتها؛ 


فالزلازل التي تقع في مختلف المناطق في العالم لا تأتي الناس إلا بغثة، ولا تستطيع أي دولة مهما أوتيت من التقدم في العلم والتكنلوجيا أن تتنبأ بها قبيل وقوعها لدقائق وثوان؛ {يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَا قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَآ إِلَّا هُوَ ثَقُلَتۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَا تَأۡتِيكُمۡ إِلَّا ‌بَغۡتَةٗ يَسۡـَٔلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنۡهَا قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ}؛ 


وهذه الهزة الصغرى تضرب لبضع ثوان وببضع درجات في سلم "ريختر" لتدمر كل شيء بإذن ربها في حدود مناطق نفوذها الترابية؛ 


ولنا أن تصور: كيف لو استمرت دقائق أو ساعات؟ وكيف لو زادت درجاتها إلى العشرات والمئات؟ فكيف لو تفاعل ذلك ليعم كوكبنا الأرضي كله؟ فكيف لو حدث مثل هذا في الكواكب الأخرى؟ فكيف لو اختل توازن الأجرام السماوية العملاقة؟ فكيف لو تصادمت المجرات في الكون لتشعل الذرات؟ 


إنها القنبلة الذرية العظمى إنها زلزلة الساعة؛ يقول الله سبحانه وتعالى فيها: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ ‌زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيم يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيد}. 


وأما في الحالة العملية فينبغي أن نقوم بأمور منها:

الأول: المبادرة بتقديم المساعدة للضحايا والمنكوبين والمصابين؛ والإسلام يدعو لتخفيف الآلام عن الإنسان مهما كان، بل حتى الحيوان ولا أدل على ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «في كل ذي ‌كبد ‌رطبة أجرٌ» رواه الإمام مالك والبخاري ومسلم؛ 


والمساعدة تتمثل في أمور كثيرة كل حسب موقعه وقدرته؛ منها: المساهمة في عملية الإنقاذ وتقديم المواد الغذائية، والأفرشة والأغطية، والعلاجات والأدوية، والتبرع بالدماء، والمساعدة في غسل الموتى وتكفينهم ودفنهم، وإعادة ما تهدم من البيوت والمنازل؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: فيما روى الإمام مسلم: «...من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».


الثاني: الدعاء للمصابين بالشفاء العاجل وللموتى بالرحمة والمغفرة؛ ودعاء المسلم لأخيه عن ظهر الغيب مستجاب كما قال صلى الله عليه وسلم؛ فهو الرابط الروحي بين المسلمين؛ وقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم للمرضى والمصابين فيما روى الشيخان: «اللهم أذهب البأس رب الناس، واشف ‌أنت ‌الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما».


الثالث: صلاة الجنازة على الموتى؛ وقد أمر جلالة الملك نصره الله بإقامة صلاة الغائب على شهداء الزلزال، فأقيمت يوم الأحد الماضي في جميع مساجد المملكة الشريفة بعد صلاة الظهر؛ وصلاة الجنازة هي توسل إلى الله تعالى من أجل طلب الرحمة والمغفرة للموتى الشهداء.


أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين...


الخطبة الثّانية:

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ لُبُّ العِبَر وروحها وفائدتها هو التوبة النصوح؛ فما أحرى من عاش تلك اللحظات المخيفة أن يتوب إلى الله تعالى فيغير من حاله لصالح مآله، وما أجدر بأولئك الذين فروا يومئذ من المنازل إلى الساحات تائهين حائرين كالسكارى وما هو بسكرى أن يغيروا أعمالهم وسلوكهم من سيء إلى حسن، ومن حسن إلى أحسن؛ قال الله تعالى: {ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ ‌أَحۡسَنُ ‌عَمَلٗا}؛ 


فالتوبة ليست مجرد كلمات نرددها بألسنتنا في الوقت الذي كنا فيه متلبسين بكثرة المعاصي في أعمالنا وأموالنا؛ فالتوبة النصوح هي التي تنبع من القلوب لِتَنْطِق بها الألسنة «ربي ‌اغفر ‌وتب علي إنك أنت التواب الغفور»، ولِتَنْطَلِق إلى إحداث تغيير جذري في الأعمال والأحوال والأموال؛ من أجل إنقاذ أنفسنا من براتين الحرام إلى فسحة الحلال، والله تعالى يقول: {إِنَّ ٱللَّهَ ‌لَا ‌يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ}؛ 


فالتوبة بالقلب واللسان دون تغير في الجوارح والأعمال هي نقصان وقصور وفسوق، وأقبح منه التوبة باللسان فقط دون القلب والعمل إذ هو كذب ونفاق...

ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم…


اعداد الخطيب الفقيه ذ. عبد الله بنطاهر

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-