خطبة مؤثرة عن العمل بالقرآن الكريم

 خطبة مؤثرة عن العمل بالقرآن الكريم

خطبة مؤثرة عن العمل بالقرآن الكريم
خطبة مؤثرة عن العمل بالقرآن الكريم


خطبة مؤثرة عن العمل بالقرآن الكريم

عناصر الخطبة:

  • العمل بالقرآن الكريم من أعظم حقوقه
  • من أعظم أسباب شقاء اليهود 
  • وجوب العمل بالقرآن بعد قراءته وفهمه 
  • نماذج من الصحابة الكرام في المسارعة إلى العمل بالقرآن الكريم
  • أهمية العمل بالقرآن الكريم


اقتباس من الخطبة:

  • فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو الأمة إلى العمل بالقرآن الكريم بعد قراءته وفهمه ..
  • فإن العمل بالقرآن العظيم هو ذروة حقوق القرآن وسنامها


الخُطْبَة الأُولَى:


 الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين.


أما بعد: فإن العمل بالقرآن العظيم هو ذروة حقوق القرآن وسنامها، وهو العناية من تنزيل الكتاب العزيز، قال الله -تعالى-: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [ سورة الأنعام الآية: 155].


عباد الله: إن من أعظم أسباب شقاء اليهود هو أنهم اكتفوا بقراءة التوراة وسماعها دون أن يتبع ذلك عمل، فَشَبَّهَهم الله سبحانه تعالى بالحمير. فقال: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[ سورة الجمعة الآية: 5]؛ فهؤلاء اليهود حُمِّلوا التوراة؛ أي: عَلِمُوها وكُلِّفوا العمل بها، ثم لم يعملوا بها ولم ينتفعوا بما فيها؛ كمثل الحمار يحمل كتباً يتعب في حملها ولا ينتفع بها.


فقد ذمَّ الله تبارك تعالى اليهود؛ لأنهم اقتنعوا من العلم بأن يحملوا التوراة دون فهم، وهم يحسبون أن ادخار أسفار التوراة وانتقالها من بيت إلى بيت كافٍ في التبجح بها, وقد ضَرَبَ الله لهؤلاء مثلاً بحال حمار يحمل أسفاراً لا حَظَّ له منها إلاَّ الحَمل دون علم ولا فهم.


وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنا مع النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فشخص ببصره إلى السماء، ثم قال: «هذا أوَانُ يُخْتَلَسُ العِلمُ مِنَ الناسِ حتى لا يَقْدِرُوا مِنْهُ على شَيءٍ». فقال زيادُ بنُ لَبِيدٍ الأنصاريُّ رضي الله عنه: كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا، وقد قَرَأْنا القُرآنِ؟ واللهِ، لَنَقْرَأَنَّهُ، ولَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنا وأَبْنَاءَنَا؟ قال: «ثَكِلَتْكَ أُمُّك يا زِيَادُ، إِنْ كُنتُ لأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهاءِ أهلِ المَدينَةِ؛ هذه التَّوراةُ والإنجيلُ عند اليهودِ والنصارى فماذا تُغْنِي عَنْهُمْ؟»(صحيح: رواه الإمام الترمذي رحمه الله).


فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو الأمة إلى العمل بالقرآن بعد قراءته وفهمه، لا إلى الاقتصار على القراءة فحسب، فيفعلون كما فعل بنو إسرائيل، قال الله سبحانه تعالى عنهم: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) [ سورة البقرة الىية: 78]. قال القرطبي رحمه الله: "والأمانِيُّ: جَمْعُ أُمْنِيَّةٍ وهي التِّلاوةُ". وغالِبُ المسلمين اليوم -إلاَّ مَنْ رحم ربي- لا يعلمون مِنَ القرآن إلاَّ تلاوته!


وقد حذَّر النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أصحابَه من أفعالِ طائفةٍ تأتي مِنْ بعدهم يقرؤون القرآن، غيرَ أنَّ القراءة لا تتعدَّى حناجرهم، وتبقى في حيِّز الأصوات بلا عمل، فقال: «يَخْرُجُ في هذه الأُمَّةِ -ولم يقل منها- قومٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمُ مَعَ صَلاتِهمُ، يَقْرَؤُونَ القُرآنَ لا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ، أو حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرِقُونَ مِنَ الدِّين مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ» (رواه الإمام البخاري رحمه الله).


 أيها المسلمون: لقد أثمرت التوجيهات النبوية المباركة جيلاً من الصحابة الكرام يقرؤون القرآن ويفهمونه ويعملون به. وهذه طائفةٌ من الحوادث تشير إلى اتِّباعهم رضي الله عنهم وسعيهم للعمل بكتاب الله امتثالاً للأمر، واجتناباً للنهي:


النموذج الأول:

  لمَّا جَرَتْ حادثة الإفك، وتكلم ناسٌ في عائشة الصدِّيقة رضي الله عنها كان مِمَّنْ تكلَّم فيها مِسْطَحُ بنُ أُثاثة، وهو رجل فقير ذو قرابة لأبي بكر، وكان أبو بكر -رضي الله عنه- يُنفق عليه من ماله الخاص، تقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في ضمن سياق حديث الإفك: "... فَلَمَّا أنزلَ اللهُ هذا في بَراءَتِي، قال أبو بكر الصدِّيقُ رضي الله عنه، وكان يُنْفِقُ على مِسْطَحِ بنِ أُثاثةَ لِقَرَابَتِهِ منه وفَقْرِهِ-: واللهِ لا أُنْفِقُ على مِسْطَحٍ شيئاً أبداً، بعد الذي قال لعائشةَ ما قال، فَأَنْزَلَ اللهُ: (وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [ سورة النور الآية: 22]؛ قال أبو بكر: بَلَى، واللهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لي، فَرَجَعَ إلى النَّفَقَةِ التي كان يُنْفِقُ عليه، وقال: واللهِ لا أَنْزِعُها مِنْهُ أبداً" (رواه الإمام البخاري رحمه الله).


 فأبو بكر رضي الله عنه لمَّا قرأ الآية وفهمها عمل بما فيها، وأعاد النفقة على من تكلم في عِرْضه وآذاه في ابنته زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم-، بل حلف بالله تبارك وتعالى ألاَّ ينزع منه النفقة أبداً، فأين نحن في هذه الأخلاق العظيمة، والقدوات المباركة؟!


النموذج الثاني:

 عن أبي مُلَيْكَةَ قال: كَادَ الخَيِّرانِ أَنْ يَهْلَكا، أبو بكر وعُمَرُ رضي الله عنهما، رَفَعَا أَصْواتَهُما عند النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم حين قَدِمَ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهما بالأَقْرَعِ بنِ حَابِسٍ أَخي بَني مُجَاشِعٍ، وأشار الآخَرُ برَجُلٍ آخَرَ، قال نافعٌ: لا أَحْفَظُ اسْمَهُ، فقال: أبو بكرٍ لِعُمَرَ: ما أَرَدْتَ إلاَّ خِلافي، قال: مَا أَرَدْتُ خِلافَكَ، فارْتَفَعَتْ أصواتُهُما في ذلك، فأَنْزَلَ اللهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ) [ سورة الحجرات الىية: 2]. قال ابنُ الزُّبَيرِ رضي الله عنه: فما كان عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ الله بَعْد هذه الآيةِ حتى يَسْتَفْهِمَهُ. (رواه الإمام البخاري رحمه الله). أي: يخفض صوته حتى يستفهمه رسولُ الله عدة مرات عما يقوله.

 

الخطبة الثانية:


الحمد لله... 

أحبتي الكرام: ويتواصل بنا الحديث عن النماذج المباركة من الصحب الكرام رضي الله عنهم في اتباعهم للقرآن العظيم, وسعيهم للعمل به, ومن ذلك:


النموذج الثالث:

ما جاء عن زَيدِ بنِ ثابتٍ: "أنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم أَمْلَى عليه: (لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [ سورة النساء الآية: 95]؛ فجاءَهُ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُملها عَلَيَّ، قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ، واللهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الجِهَادَ لجَاهَدْتُ وكان أَعْمَى؛ فأَنْزَلَ اللهُ على رَسُولِه صلّى الله عليه وسلّم، وفَخِذُهُ على فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حتَّى خِفْتُ أنْ تُرَضَّ فِخِذِي، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ: (غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ)" (رواه الإمام البخاري رحمه الله).


 حتى صاحب العذر لم يعذر نَفْسَه من الجهادِ لاستشعاره أهمية العمل بالقرآن الحكيم، وتنفيذ أوامره، فيأتي رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم متوسلاً متأثراً، يحلف بالله العظيم أن لو مَلَكَ القُدرةَ لَخَرَجَ، حتى أكرمه الله سبحانه تعالى وأَنزل فيه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة، في هذا الاستثناء لأصحاب الأعذار: (غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ).


 النموذج الرابع:

عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: "بَيْنَا النَّاسُ في صَلاةِ الصُّبْحِ، إذْ جَاءَهمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قَدْ أُنزِلَ عَلَيهِ اللَّيلَةَ قُرْآنٌ، وقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فاسْتَقْبِلُوها، وكانَتْ وُجُوهُهُمْ إلى الشَّامِ، فاسْتَدارُوا إلى الكَعْبَةِ"(رواه الإمامان البخاري ومسلم رحمهما الله). فهؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم لمَّا سمعوا مَنْ يُخبرهم بآية تحويل القبلة لم ينتهوا حتى يفرغوا من صلاتهم، بل ولُّوا وجوههم شطر المسجد الحرام مباشرة؛ امتثالاً لأمر الله وتطبيقاً لما جاءهم في القرآن.


النموذج الخامس:

قال أَنَسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه: "ما كان لنا خَمْرٌ غَيْرَ فَضِيخِكُمْ هذا الذي تُسَمُّونَهُ الفَضِيخَ، فَإِنِّي لَقائِمٌ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وفُلاناً وفُلاناً إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: وهَلْ بَلَغَكُمْ الخَبَرُ؟ فَقَالُوا: وما ذَاكَ؟ قَالَ: حُرِّمَتْ الخَمْرُ، قَالُوا: أَهْرِقْ هذهِ القِلاَلَ يا أَنَسُ، قَالَ: فَمَا سَأَلُوا عَنْهَا ولا رَاجَعُوها بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُل" (رواه الإمام البخاري رحمه الله).


هرعوا رضي الله عنهم مباشرة إلى العمل والتطبيق امتثالاً للأمر واجتناباً للنهي، وأهرقوا دنان الخمر وما رجعوا إليها أبداً.


النموذج السادس:

وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: "يَرْحَمُ اللهُ نِسَاءَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، لمَّا أَنْزَلَ اللهُ: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) [ سورة النور الىية: 31]؛ شَقَقْنَ مُرُوطَهُنَّ فاخْتَمَرْن بِهَا -أي: غطَّين وجوههنَّ-" (رواه الإمام البخاري رحمه الله). وفي روايةٍ أُخرى تقولُ عائِشَةُ رضي الله عنها: "أَخَذْنَ أُزْرَهُنَّ فَشَقَّقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الحَوَاشِي، فَاخْتَمَرْنَ بِهَا" (رواه الإمام البخاري رحمه الله).


وعن أُمِّ سَلَمَة رضي الله عنها قالت: "لَمَّا نَزَلَتْ: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ) [سورة الأحزاب الآية: 59]، خَرَجَ نِسَاءُ الأَنْصَارِ كَأَنَّ على رُؤُوسِهِنَّ الغرْبَانُ مِنَ الأَكْسِيَةِ"(صحيح: رواه أبو داود).


وهكذا كانت نساؤهم؛ كرجالهم، يُسارعن إلى امتثال أمرِ الله سبحانه وعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) [سورة النور الآية: 31]، وأمرِه غز وجل: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ) [سورة الأحزاب الآية: 59]. فلا ينتظرن شراء خُمُرٍ جديدة، ولا ينتظرن العودة للمنازل، بل يسارعن فيشققن مروطهن ويلقينها على جيوبهن رضي الله عنهن، ورضي الله عنهم أجمعين.


الختم بالدعاء ..


اعداد وتقديم الخطيب د. محمود بن أحمد الدوسري

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-