خطبة جمعة حول ذكرى عيد الإستقلال

 خطبة جمعة حول ذكرى عيد الإستقلال

خطبة جمعة حول ذكرى عيد الإستقلال


خطبة جمعة حول ذكرى عيد الإستقلال


بسم الله الرحمان الرحيم


عناصر الخطبة: 

  • رحم الله الشهداء والمجاهدين الذين كانوا سببا في الإستقلال
  • ما تحقق من الاستقلال
  • ما يجب أن ننتبه والجهاد المُنتظَربعد الاستقلال


اقتباس من الخطبة: 

  • يحتفل المغرب هذه أيام بِعيد الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي
  • ذكرى عيد الإستقلال تؤرخ لانتصار المغاربة على من ظلموهم واستولَوا على أرضهم ووطنهم
  • من حقِّ مَن سبقونا مِن إخواننا على درب الاستقلال والعِزّة أن نَدْعُوَ لهم بالرحمة والمغفرة
  • هل حصلنا على الاستقلال حقًّا في كافَّة ميادين حياتنا؟ هل بقينا أوفياءَ لروح جهاد ملكنا وآبائنا؟
  • مما يشكل خطرا على مجتمعنا حاضرا ومستقبلا، ضعف الاهتمام باللغة العربية في تعليمنا وإعلامنا


الخطبة الأولى: 


الحمدلله رب العالمين الملك الحق المبين المستحق  للشكر والتعظيم، نشهد أنه الله العليُّ العظيم، أثنى على عباده المجاهدين فقال:(فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)


ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، جاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه النصر المبين وظهر أمر الله للخلق أجمعين. صلِّ اللهم عليه وعلى آله الأطهـار وصحابته الأخيار ما تعاقب الليل والنهار.


أما بعد، فيا أيها المؤمنون يحتفل المغرب بعد أيام بِعيد الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي... وهذه الذكرى تؤرخ لانتصار المغاربة على من ظلموهم واستولَوا على أرضهم ووطنهم، واستباحوا حُرماتهم وخيراتهم.


رحم الله الشهداء والمجاهدين:


لقد دخل (المستعمر) بلادَنا مستغِلاًّ ظروف الجهل والضّعف التي كنا نقبع تحتها في ذلك الوقت، فأخذ ينْهب ويُخَرِّب، ويظلم ويعتدي، ويأكل الثروات والخيرات التي لم يُؤد المغاربة حقَّ شكرها مصداقا لقوله تعالى:(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)


وبعد حين من الدّهر، اسْتفاق المغاربة من سُباتِهم وأدركوا تفْريطَهم في دينهم ووطنهم، فأخذوا على عاتِقهم الذّودَ عن مُقدساتهم وجَدّدُّوا الاتّصال بربهم العليِّ القدير، فصرخوا في وجه العدو صرختهم العظيمة: "الله أكبر" ثم جنّدوا أنفسهم وراء ملِكهم المجاهد محمد الخامس رحمه الله، ورفعوا شعار اللطيف وتسلّحوا بقوله تعالى:(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)


وما هي إلا بِضْعَةُ عقود، قُدِّمَ فيها ما شاء الله تعالى من دماء الشهداء الزّكية، حتى جاء النصر ورجعَ رمزُ الوطن محمدٌ الخامس رحمه الله من مَنْفاه مُؤْذِنا بخروج المستعمر الغاشم يجُر ذيول الخِزي والخيبة والعار، فتحقق وعد الله وصدق قوله تعالى: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) 


 ومن حقِّ مَن سبقونا مِن إخواننا على درب الاستقلال والعِزّة أن نَدْعُوَ لهم بالرحمة والمغفرة، وعلى جلالة الملك محمد الخامس ورفيقه وولي عهده آنذاك جلالة الملك الحسن الثاني رحمة الله عليهم أجمعين.


ما تحقق من الاستقلال:


أيها الإخوة الأكارم، بعد مرور حوالَي ستين عاما على هذا الحدث العظيم، لنا أن نتساءل: هل تَـمَثَّلْنا فعلاً هذا الانتصار؟ هل حصلنا على الاستقلال حقًّا في كافَّة ميادين حياتنا؟ هل بقينا أوفياءَ لروح جهاد ملكنا وآبائنا؟


لقد حصلنا على الاستقلال الجُغرافي فلم يعد أحدٌ ينازع المغربَ في وحدة ترابه، بغَضِّ النظر عن مُدننا الشمالية... لكن أين الاستقلالُ الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والعقائدي والفكري وهَلُمَّ جَرَّا؟


 هل فِعلا تَخَلَّصْنا من الولاء والتبعية العمياء لليهود والنصارى وفق ما أمر الله به المؤمنين قائلا سبحانه: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) 


هل انتبهنا إلى ما حَظّرنا منه النبيّ صلى الله عليه وسلم من التقليد الأعمى للكافرين واتَّباع طريقتهم في الحياة والترويج لِـمَفَاسِدهم. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ. قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟)


إننا أيها الأحبة نَشْهد وضْعا وواقعا على مستوى مجتمعاتنا، نحتاج فيه إلى عَوْدةٍ صادقة إلى رحاب ديننا، وتوبةِ صادقة لربنا جل جلاله، ومُصالحةِ جادّة مع القرآن الكريم كتابِ ربنا الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.


مطلوب منا على مستوى تربية أبنائنا وشبابنا أن نُحَسِّن صلتهم بالقرآن الكريم وبسنة نبينا الأمين صلى الله عليه وسلم. فمن الوفاء أن لا نجعلهم من أتباع اليهود والنصارى في أخلاقهم وعاداتهم وأفكارهم ولغاتهم وألبستهم وعلاقاتهم... والمطلوب أكثر العمل على تحبيب البلد إليهم بالتعاطف والتعاون والتّحاب، وتربيتهم على المواطنة الصادقة.


كما أنه من الوفاء أن تتأسس أسرنا على ما يريده الله تعالى من الرحمة والمودة والحياء، وألاّ تُصبح سوقا لترويج الأفكار الغَرِيبة عن الإسلام والمسلمين... وأن لا تُصبح عرضة للأفكار المنحرفة والأفلام الإباحية والبرامج التافهة والاهتمامات الدَّنِيَّة.


والحقيقة أن الإنسان يستغرب النّزْعة المادية التي أصبحت تَحْكم أسرنا مما يلهيها عن وظيفتها الإيمان التربوية ويزُجُّ بها في مسلسل من المخالفات لدينها من كبائر الذنوب والمعاصي... وقد أصبح الإقبال على الإجهاض عاديا عند الكثيرين بدعاوى تافهة، كما أصبح الإقبال على الرّبا كالإقبال على شرب الماء ولا حول ولا قوة إلا بالله. ونسِي القوم أن الحرام لا يزيد الرزق بل يفسده، وأن طاعة الله تعالى هي سِرّ الخير كله. (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُون، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)  


ومن أخطر ما نعيشه، أيها الأحبة مما يشكل خطرا على مجتمعنا حاضرا ومستقبلا، ضعف الاهتمام باللغة العربية في تعليمنا وإعلامنا، فقد احتلت لغة المحتل وثقافته مساحة رحبة من تعليمنا وثقافتنا، مما يمثل خِدمة للمستعمرين وتحريفا لعقول ناشِئتنا، ولا شك أن في هذا خطرا رهيبا على أخلاقهم ودينهم ووطنيتهم. 


إن المطلوب هو تعزيزُ لغة القرآن وتعميمُها واعتمادها من قِبَلِ أمّتنا، ثم لا حرج من الانفتاح على اللغات الأخرى للتواصل والاستفادة بالقدر المناسب لذلك. ويعلم الصغير والكبير اليوم أن اللغة التي تحظى بالأولوية في ذلكم الانفتاح هي الإنجليزية لا الفرنسية. 


فإنه لا يعقل أن نُهدِيَ لغيرنا أذكى طلبتنا وتلامذتنا... ونجعل من فلذات أكبادنا أناسا يحملون ثقافة غيرنا ويتحدثون بلغة غيرنا ويتخلقون بأخلاق غير المسلمين... إنه خرابٌ كبير وفساد عريض... 


فاللهم رد بنا إلى دينك ردا جميلا ولا تجعل فينا ولا منا شقيا ولا محروما، والحمد لله رب العالمين.


الخطبة الثانية:


الجهاد المُنتظَر:


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:


فقد كفانا الأوائل ملوكا وشعبا، رحمهم الله، جهادَ المحتلّين بالسّلاح، وجعلوا أرواحهم رخيصة في سبيل استقلال البلد. والواجب علينا اليوم أمران كبيران:


الأول: الدعاء للمجاهدين والشهداء بالمغفرة والرحمة والقَبول، والدعاء الخالص للملكين المجاهدين محمد الخامس وابنه الحسن الثاني، رحمهم الله تعالى ورفع درجاتهم وتقبلهم عنده سبحانه وجعلهم في منازل الصِّدق والقُرب.


الثاني: علينا اليوم أيها الأحبة جهادٌ من طراز خاص، جهاد لا قتال فيه ولا قَتْل، لكنه من أصعب الجهاد وأثقله. وهذا المعنى نفسُه هو ما عبر عنه الملك محمد الخامس رحمه الله إثر عودته من المنفى. جهادٌ بقيادة محمد السادس حفظه الله لتعزيز الاستقلال المعنوي للأمة وربطها بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم... وتطهير الأمة من الفواحش والمنكرات، والوقوف في وجه من لا همَّ لهم سوى الطعن في ديننا والتنقيص من كتاب ربنا والدفاع عن حرية الرذائل...


جهادٌ لتتعلم الأمة كلها الصدق والأمانة والنزاهة، جهاد لتحرير الأمة من الغش والرشوة والخيانة والزنا والربا،....

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.) 


الختم بالدعاء...


خطبة من اعداد ذ. عبدالرحمن بوكيلي

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-