حياة القلب وقسوته - خطبة مؤثرة وقصيرة

حياة القلب وقسوته - خطبة مؤثرة وقصيرة

حياة القلب وقسوته - خطبة مؤثرة وقصيرة
حياة القلب وقسوته - خطبة مؤثرة وقصيرة


حياة القلب وقسوته - خطبة مؤثرة وقصيرة

بسم الله الرحمان الرحيم


عناصر الخطبة: 

  • أهمية القلب ومكانته
  • أسباب صلاح القلب وفساده
  • من صفات القلوب السليمة
  • المعاصي سبب لقسوة القلوب

اقتباس من الخطبة:

  • الْقلْب الذي فيه خيرٌ مهْما قلّ فلابدّ أنْ ينْفتح للإيمان
  • الْقلْب أعْظم الأعْضاء خطرا، وأبْلغها أثرا، وأدقّها أمرا، وأشقّها إصلاحا
  • صلاح القلْب يكون بالإيمان بالله والعمل الصّالح
  • للقلوب أعْمالٌ خاصّةٌ، تظْهر على تصرّفات العبْد
  • الْقلْب السّليم ما سلم صاحبه من الْحقْد والدّغل
  • من أخْطر أمْراض القلوب وأعْتاها مرض القسْوة


الخطْبة الأولى:

 

الحمد لله أهل الحمد والثّناء، يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء، أشهد ألّا إله إلّا الله وحده لا شريك له، ذو العظمة والكبْرياء، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدا عبد الله ورسوله، خاتم الأنْبياء، صلّى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آله الأتْقياء، وأصحابه الأوفياء، والتّابعين لهم ومنْ تبعهم بإحْسان وإيمان إلى يوم الجزاء.

 

أمّا بعد: فأوصيكمْ ونفْسي بتقوى الله -تعالى-، فهي خير الزّاد في الدّنيا ولدار الْمعاد.

 

عباد الله: القلْب موطن كلّ خير، وقدْ ربط الله الخير بالقلْب في مواطن عدّة منْ كتابه فقال عزّ شأْنه (إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (سورة الأنفال الآية 70). 


فالْقلْب الذي فيه خيرٌ مهْما قلّ فلابدّ أنْ ينْفتح للإيمان، تأمّلوا قول الله سبْحانه (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) (سورة المجادلة الآية 22)، وقوله سبْحانه (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) (سورة الحجرات الآية 7)

 

فالإيمان هو حياة القلوب ونعيمها؛ لذا كان الْقلْب هو الْمعوّل عليه كما في قوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) ( سورة الحج الآية:32)؛ لأنّ الْقلْب أعْظم الأعْضاء خطرا، وأبْلغها أثرا، وأدقّها أمرا، وأشقّها إصلاحا، يقول الحسن البصْريّ رحمه الله":  داو قلبك؛ فإنّ حاجة الله إلى عباده بصلاح قلوبهمْ، فإنّ الله لا ينْظر إلى أجْسامكمْ ولا إلى صوركمْ، ولكنْ ينظر إلى قلوبكمْ وأعمالكم".

 

معاشر الْمؤمنين: لقدْ سمي القلب قلْبا؛ لأنّه أخْلص شيء في الإنْسان وأرْفعه، ومنْ جهة لأنّه سريع التّقلّب والتّغيّر! وفي حديث النّعمان بن بشير رضي الله عنْه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: « أَلا إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً؛ إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ». حديث متفق عليه


عباد الله: صلاح القلْب يكون بالإيمان بالله والعمل الصّالح والإذْعان لله تعالى. 


وإذا فسد القلْب بالشّرْك بالله والفسْق والعصْيان، وظلْم الخلْق والإفْساد في الأرْض صار قلْبا فاسدا "أسْود مرْبادّا كالْكوز مجخّيا"  كالكأْس الْمقْلوب لا ينتفع منْه بشيء فهو "لا يعْرف معْروفا ولا ينْكر منْكرا إلاّ ما أشْرب منْ هواه"  والعياذ بالله تعالى.

 

عباد الله: لقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يكْثر في سجوده منْ قوله:  « يا مقلّب القلوب ثبّتْ قلْبي على دينك»، قالوا: يا رسول الله، أتخاف علينا وقدْ آمنّا بك، وبما جئْت به؟ قال:  « إنّ القلوب بين إصْبعين من أصابع الله يقلّبها » (رواه الإمام أحمد). 


وكان من قسمه صلّى الله عليه وآله وسلّم: " «لاَ. وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» (رواه الامام البخاري)؛ لأنّ القلْب هو الرّابط بين باطن الإنْسان وظاهرهْ منْ أعْمال وسلوك. 

 

أيّها الْمسْلمون: وللقلوب أعْمالٌ خاصّةٌ، تظْهر على تصرّفات العبْد ومشاعره وأحْواله؛ من حبّ وفرح، وهمّ وحزن، وحقْد وحسد، وكيد، وغضب وفهْم وإدْراك. 


ألا وإنّ منْ أعْظم أعْمال القلوب وأهمّها: القصْد والنّيّة، وفي الصّحيح أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: « إنّما الأعْمال بالنّيّات، وإنّما لكلّ امْرئ ما نوى»؛ فالنّية ركْنٌ ركينٌ في كلّ العبادات، بلْ بالنّيّة الصّالحة تقْلب العادة عبادة، وفساد النّيّة يفْسد العبادة ويجْعلها هباء منْثورا.

 

عباد الله: وإليكمْ بعْضا منْ صفات القلوب العظيمة السّليمة، تبْرز في القلْب السّليم؛ الذي وصفه الله بقوله: ( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) (سورة الشعراء) وقدْ كان منْ دعاء النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: « الّلهمّ إنّي أسْألك قلبا سليما» .

 

فالْقلْب السّليم ما سلم صاحبه من الْحقْد والدّغل، والشّرّ والْحسد، ظاهره كباطنه، وسرّه تنْطق به جوارحه، يحبّ الْخير، وأهْله، والعمل الصّالح، والْمصْلحين، يقول الله عز (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (سورة البقرة الآية  112) ؛ 


فاللهمّ ارْزقْنا قلوبا سليمة آمنة مطْمئنّة تحبّ الْخير للغير وتفْعله وتكْره الْكفْر والفسوق والْعصْيان يا ربّ الْعالمين. وأسْتغْفر الله فاسْتغْفروه وتوبوا إليه ولا تعْصوه إنّه هو الْغفور الرّحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله علاّم الغيوب، الْمطّلع على أسرار القلوب، أشْهد ألّا إله إلّا الله وحده لا شريك له، ستّيرٌ للْخطايا وغفّارٌ للذّنوب، وأشهد أنّ محمّدا عبد الله ورسوله إمام الْمتّقين وسيّد الْمخْلصين والْمخْلصين صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصْحابه، ومنْ اقْتفى أثره إلى يوم الدّين.

 

أمّا بعْد: 

عباد الله: أوصيكم ونفْسي بتقْوى الله تعالى حقّ التّقْوى، فتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى. 


أيّها الْمؤمنون: إنّ من أخْطر أمْراض القلوب وأعْتاها مرض القسْوة فالله تعالى يقول: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (سورة الزمر الآية 22).


 وسنّة الله في قلوب العباد جاريةٌ؛ بأنّ من اسْتغْرق في الْمعاصي والآثام ونقض مواثيقه مع الله طرده الله منْ صفوف أهْل التّقْوى وأبْعده، حتّى يقْسو قلْبه ويعْلوه الرّان والظّلْمة كما قال: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ( سورة المطففين الآية 14).

 

عباد الله: أهْل القلوب القاسية قدْ تجدهمْ يصلّون ويتصدّقون، ولكنّهمْ إذا خلوا بمحارم الله انْتهكوها؛ فيا عباد الله: آمنوا بأنّ الله عليمٌ حكيمٌ، سميعٌ بصيرٌ ، (يعْلم خائنة الْأعْين وما تخْفي الصّدور) ( سورة غافر الآية 19).

 

إخْواني: هي دعْوةٌ لإصلاح قلوبنا وحياتها فنحن في زمن مخيف تلفّنا الفتن والشّبهات والشّهوات من كلّ سبيل! فتلْك شبهٌ عقديّةٌ وأخْرى أخْلاقيّةٌ ومعاملاتٌ ماليّةٌ قامتْ على الْحيلة والرّبا! ناهيك عن أضرّ الفتن وأرْداها، وأوسعها وأعْتاها، ما حذّر منْه رسول اللّه صلّى اللّه عليْه وآله وسلّم بقوله:  «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» (رواه الشيخان).


 وقدْ وصف لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم تلْك الفتن بأبْلغ وصْف فقال: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا» -صحيح مسلم- ؛ فالأعْواد عبارةٌ عن ذنوب ومعاص فهذه نظْرةٌ محرّمةٌ وأخْرى كلمةٌ محرّمةٌ وثالثةٌ ورابعةٌ وكلّ ذنْبّ تعْمله ينْقط في قلْبك نقْطةٌ سوداء حتى يكون القلْب "أسْود مرْبادّا كالْكوز مجخّيا" كالْكأْس الْمقْلوب "لا يعْرف معْروفا ولا ينْكر منْكرا إلاّ ما أشْرب منْ هواه".

 

فيا مؤمنون: أقْبلوا على ربّكم، واسْتغْفروا الله قولا وعملا، واسْتعيذوا بالله منْ شرّ الشّيطان وشركه فلا عاصم الْيوْم منْ أمْر اللّه إلّا منْ رحم، ومن اقترب من الفتن والشّبهات سيقع في الحرام ولا شكّ: "ألا وإنّ لكلّ ملك حمى ألا وإنّ حمى اللّه محارمه".

 

هذا وصلّوا وسلّموا على الرّحْمة الْمهداة، نبيّنا محمّدٌ رسول الله؛ فقد أمرنا ربّنا في محكم تنْزيله فقال وهو الصّادق في قيله ( إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النّبيّ يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليْه وسلّموا تسْليما) (سورة الأحزاب الآية 56).


فاللهمّ صلّ وسلّمْ وباركْ على عبدك ورسولك نبيّنا محمّد، وعلى آله وأزْواجه أمّهات الْمؤمنين، وعلى الخلفاء الأربعة الراشدين؛ وعلى الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بعفوك وإحسانك يا أكْرم الأكْرمين".


الختم بالدعاء 


اعداد الأستاذ خالد القرعاوي

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-