ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال - خطبة مختصرة

ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال - خطبة مختصرة

ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال - خطبة مختصرة
ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال - خطبة مختصرة

خطبة عن ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال

بسم الله الرحمان الرحيم
الْخُطْبَةُ الْأَولَى:
 اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، لَمْ يَجْعَلْ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُتَبَتِّلِينَ تَبْتِيلًا، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ أَمَدًا طَوِيلًا.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور)ٍ. اِنْطِلَاقاً مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَإِنَّ الشَّعْبَ الْمَغْرِبِيَّ يَسْتَحْضِرُ بِكُلِّ فَخْرٍ وَاعْتِزَازٍ يَوْمَ الْحَادِي عَشَرَ مِنْ يَنَايِرْ - كَكُلِّ سَنَةٍ – ذِكْرَى يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ الْمَشْهُودَةِ فِي تَارِيخِهِ الْعَرِيقِ، إِنَّهَا ذِكْرَى تَقْدِيمِ وَثِيقَةِ الْمُطَالَبَةِ بِالِاسْتِقْلَالِ، وَهِيَ تُعْتَبَرُ مُنَاسَبَةً لِلْأَجْيَالِ الْمُتَعَاقِبَةِ مِنْ أَجْلِ الِاسْتِفَادَةِ مِنْ دُرُوسِهَا، وَاتِّخَاذِهَا نِبْرَاساً يُنِيرُ لَهَا الطَّرِيقَ، وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ الْوَطَنِيَّةِ الْغَالِيَةِ، سَيَكُونُ عُنْوَانُ خُطْبَتِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ السَّعِيدِ – بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى – هُوَ: تَقْدِيمُ وَثِيقَةِ الْمُطَالَبَةِ بِالِاسْتِقْلَالِ، دَرْسٌ فِي الْأَمَلِ لِكُلِّ الْأَجْيَالِ، وَسَنُسَلِّطُ الضَّوْءَ عَلَى هَذَا الْعُنْوَانِ مِنْ خِلَالِ ثَلَاثَةِ عَنَاصِرَ:
الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: مَفْهُـومُ الْأَمَلِ وَأَهَمِّـيَّـتُهُ فِي الْأَزَمَاتِ، فَالْأَمَــلُ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ - هُوَ: تَوَقُّعُ الْيُسْرِ بَعْدَ الْعُسْرِ، وَالْفَرْجِ بَعْدَ الْكَرْبِ، وَالرَّخَاءِ بَعْدَ الشِّدَّةِ. وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُؤْمِنِ مَهْمَا اشْتَدَّتِ الْأَزَمَاتُ، وَمَهْمَا انْقَطَعَتِ الْأَسْبَابُ عِنْدَ نُزُولِ الْمُلِمَّاتِ، لَأَنَّهُ مِنْ صَمِيمِ عَقِيدَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا. وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: (فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا). وَرَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنَ الرُّومِ وَمَا يَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مُنْزَلِ شِدَّةٍ يَجْعَلِ اللَّهُ بَعْدَهَا فَرَجًا، وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ، وَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
الْعُنْصُرُ الثَّانِي: عَقِيدَةُ الْمُسْلِمِ أَمَلٌ وَعَمَلٌ، فَالْأَمَلُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ قَرِينُ الْعَمَلِ، وَلَا تَكْفِي الْأَمَانِيُّ الْفَارِغَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ)، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: «اِعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ». وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا قَابِعِينَ فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، فَسَأَلَهُمْ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُواْ: نَحْنُ الْـمُتَوَكِّلُونَ عَلَى اللَّهِ، فَعَلَاهُمْ بِدِرَّتِهِ ونَهَرَهُمْ، وَقَالَ: لَا يَقْعُدَنَّ أَحَدُكُمْ عَنْ طَلَبِ الرِّزْقِ وَيَقُولُ: اَللَّهُمَّ ارْزُقْنِي، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ السَّمَاءَ لَا تُمطِرُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً، وَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ). وَقَدْ قِيلَ قَدِيمًا: مَنْ جَدِّ وَجَدَ، وَمَنْ زَرَعَ حَصَدَ، وَمَنْ طَلَبَ الْعُلَى سَهِرَ اللَّيَالِيَ.
نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبينِ، وَبِسُنَّةِ نَبيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمينَ.
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
 اَلْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: مِنْ مَوَاقِفِ قُوَّةِ الْأَمَلِ فِي اللَّهِ، فَقَدْ جَثَمَ الِاسْتِعْمَارُ الفَرَنْسِيُّ عَلَى الْمَغْرِبِ مُنْذُ سَنَةِ: أَلْفٍ وَتِسْعِمِائَةٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ (1912م) لِاسْتِغْلَالِ خَيْرَاتِهِ، وَطَمْسِ هُوِيَّتِهِ وَتُرَاثِهِ، لَكِنَّ الشَّعْبَ الْمَغْرِبِيَّ الْمُؤْمِنَ الْأَبِيَّ لَمْ يَيْأَسْ وَلَمْ يَمَلَّ، وَقَاوَمَهُ بِسِلَاحِ الْأَمَلِ وَالْعَمَلِ، فَفِي الْحَادِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ يَنايِرْ سَنَةَ: أَلْفٍ وَتِسْعِمِائَةٍ وَأَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ (1944م) قَدَّمَتِ الْمُقَاوَمَةُ الْوَطَنِيَّةُ عَرِيضَةَ الْمُطَالَبَةِ بِالِاسْتِقْلَالِ لِجَلَالَــــةِ الْمَلِكِ الْمَغْفُورِ لَهُ مُحَمَّدٍ الْخَامِسِ – طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ -، وَسَلَّمَتْ نُسْخَةً مِنْهَا لِكُلِّ الْجِهَاتِ الْمَعْنِيَّةِ، فَكَانَ لِذَلِكَ الْأَثَرُ الْبَالِغُ، ثُمَّ تَـــوَالَتِ الْأَسْبَابُ حَتَّى حَقَّقَ اللَّهُ الْأَمَــلَ، وَحَصَـلَ الْمَغْـرِبُ عَلَى الاسْتِقْلَالِ سَنَةَ: أَلْفٍ وَتِسْعِمِائَةٍ وَسِتٍّ وَخَمْسِينَ (1956م)، تَحْتَ قِيَادَةِ الْمَغْفُورِ لَهُ جَلاَلَةِ الْمَلِكِ مُحَمَّدٍ الْخَامِسِ – أَكْرَمَ اللَّهُ مَثْــوَاهُ -، وَسَيْـراً عَلَى هَذَا النَّهْـجِ الْقَوِيمِ، خَـاضَ خَلَفُهُ جَـلَالَةُ الْمَلِكِ الْمَغْفُـورِ لَهُ الْحَسَـنُ الثَّانِي - طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ - مَعْرَكَةَ اسْتِكْمَالِ الْوَحْدَةِ التُّرَابِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْإِنْجَازَاتِ الْعَظِيمَةِ... وَهَا هُوَ خَلَفُهُمَا وَوَارِثُ سِرِّهِمَا جَلاَلَةُ الْمَلِكِ مُحَمَّدٌ السَّادِسُ - حَفِظَهُ اللَّهُ - يَقُودُ قِطَارَ الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ، جِهَادِ التَّنْمِيَةِ مِنْ أَجْلِ رَفَاهِيَةِ شَعْبِهِ وَرَاحَةِ رَعِيَّتِهِ، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُسَدِّدَ خُطَاهُ وَيَمُــدَّ فِي عُمُـــرِهِ، قَالَ اللَّــهُ سُبْحَـــانَهُ: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ.
الختم بالدعاء...
إعداد الأستاذ رشيد المعاشي
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-