عبر شدة البرد - خطبة مؤثرة وقصيرة

 خطبة مؤثرة حول عبر شدة البرد

عبر شدة البرد - خطبة مؤثرة وقصيرة
عبر شدة البرد - خطبة مؤثرة وقصيرة

عبر شدة البرد

بسم الله الرحمان الرحيم

الخطبة الأولى:

 إِن الحمد لله، نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا، وَمن سيئات أَعمالنَا، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ...

 معشر المومنين والمومنات : نعيش في هذه الأيام موجة من البرد الشديد، ولضعفنا عانينا منه الكثير، وانزعجنا منه، بل وتمنى الكثير منا سرعة ذهابه، وإن المؤمن يعيش حياته دائم التفكر والاعتبار، فعندما يتفكر في تقلب الليل والنهار، والشهور والأعوام، والصيف والشتاء والخريف والربيع، يؤدي عبادة عظيمة يُؤجر عليها، ألا وهي عبادة التفكر في خلق الله، وإن التفكر والاعتبار من صفات أولي الأبصار والألباب، قال تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ)، وقد ذكر الله لنا في كتابه صفات أولي الألباب أي أصحاب العقول والقلوب النيرة، ومنها التفكر في خلق الله تعالى، قال الله جل وعلا: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

عباد الله: إن تفكرنا في شدة البرد الذي نعيشه يذكرنا بشدة وهول يوم القيامة، فما هذا البرد الذي أثر فينا حتى تمنينا سرعة زواله إلا نفس من أنفاس جهنم والعياذ بالله، روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِير»، فإذا كان هذا البرد نفس من أنفاس جهنم، فكيف ستكون هذه النار والعياذ بالله، و وكيف سيكون حال من يعذب فيها؟ وكيف سيكون حال من حكم الله عليه بالخلود فيها؟ نسأل الله اللطف والسلامة، قال الله عز وجل مبينا حال أهل النار (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا*إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا  جَزَاءً وِفَاقًا) وقال كذلك (هذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ)  قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الغساق: الزمهرير البارد الذي يحرق من شدة برده"، وفي المقابل يقول الله عز وجل في وصف أهل الجنة (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا) قَالَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "عَلِمَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ شِدَّةَ الحَرِّ تُؤْذِي وَشِدَّةَ البَرْدِ تُؤْذِي فَوَقَاهُمْ أَذَاهُمَا جَمِيعًا".

 عباد الله: إن المسلم إذا تفكر في شدة البرد، واستحضر هول يوم القيامة، هانت عليه كل المكاره التي تحول بينه وبين عبادة ربه، كمَكَارِه الْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ وبُرُودَةِ المَاءِ، وهانت عليه مشقةِ حضورِ صلاةِ الجماعةِ خصوصًا صلاةُ الفجرِ التي يحتاجُ  فيها إلى همة عالية لمفارقةِ دفءِ الفراشِ، وقطعِ لذةِ النومِ، وكل من جاهد نفسه وقاوم هذه المكاره والمشاق، أكرمه الله بمغفرة ذنوبه ورفع درجاته ومقامه عنده عز وجل، روى الإمام مسلم رحمه الله  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ».

  عباد الله: ومنَ المكارهِ ما يصيب المسلم منْ جراءِ هذا البردِ منْ أمراضٍ، كنزلاتِ البردِ والزكامِ والحمى ونحوها. وَهِيَ كَفَّارَاتٌ لِلْعَبْدِ؛ فلا يشتك منها ولا يتسخط بسببها، روى الامام مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيِّبِ تُزَفْزِفِينَ؟» قَالَتْ: الْحُمَّى، لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا، فَقَالَ: «لَا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ».

  نفعني الله واياكم بالقرآن المبين، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 

 الخطبة الثانية:

 الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى آله ومن والاه، أما بعد :

 عباد الله: إن مما يميز فصل الشتاء طول الليل وقصر النهار، فهو فترة مباركة للإقبال على الله عز وجل، فهذا ابنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ كانَ يقولُ إذا دخلَ الشتاءُ: "مرحبًا بالشتاءِ، تنزلُ فيهِ البركةُ، يطولُ فيهِ الليلُ للقيامِ، ويقصرُ فيهِ النهارُ للصيامِ".

  وهاتان نعمتان فرط فيهما كثير منّا وهما يتيسران في الشتاء، فليحاسب كل واحد منا نفسه، كم ليلةً قامها وكم يوماً صامه؟ ألا ما أعظم تقصيرنا! لقد كان سلف هذه الأمة رحمهم الله قليلاً من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون، فقوي إيمانهم وصدقه يقينهم، قدوتهم في ذلك الرسول الأعظم والنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم الذي كان يقوم الليل حتى تورمت قدماه، وكان يلقب فصل الشتاء بربيع المؤمن، كما روى الإمام أحمد عن عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الشِّتَاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ»، وفي رواية البيهقي « الشِّتَاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ، قَصُرَ نَهَارُهُ فَصَامَ، وَطَالَ لَيْلُهُ فَقَامَ ».

وخير ما نجعل مسك الختام أفضل الصلاة والسلام على شفيع الورى في الموقف العظيم، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سيدنا  محمّد وَعلى آل محمد، كما صلّيت على آل إِبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إِبراهِيم فِي الْعَالمِين، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ

الختم بالدعاء ...

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-