مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف - خطبة مؤثرة

 مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف - خطبة مؤثرة

مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف - خطبة مؤثرة
مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف - خطبة مؤثرة

مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف 

بسم الله الرحمان الرحيم

الخطبة الأولى: 

 الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتنال القربات، وترفع الدرجات، والصلام والسلام على أشرف الكائنات، سيدنا وحبيبنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين ... (المقدمة) أما بعد: 

 معشر المومنين والمومنات: لازلنا وإياكم في شهر ربيع الأول، ومع حلول هذا الشهر العظيم تعيش الأمة الإسلامية تحت أنوار ذكرى من الذكريات الخالدة التي تبعث في النفوس المؤمنة مزيدا من الشوق إلى لقاء حبيب القلوب وطبيبها صلى الله عليه وسلم، إنها ذكرى ميلاد حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، فهل الاحتفال بميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل مشروع نؤجر عليه؟ أم أنه بدعة محدثة نأثم لفعلها؟ هذا موضوعنا في خطبة اليوم سائلين الله التوفيق والسداد. 

 عباد الله: جاء في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»، في هذا الحديث بين رسول الله بقوله صلى الله عليه وسلم: « ما ليس منه» أنَّ الـمُحْدثَ إنما يكون رداً أي مَردوداً إذا كان على خلافِ الشريعةِ وأنَّ المحدَث الموافقَ للشريعة ليس مردوداً، وهو مفهوم أيضاً مما رواه مسلم في صحيحه من حديثِ جَرير بنِ عبدِ اللهِ الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ».

  ولهذا قسَّم العلماء البِدعةَ إلى قِسمين بِدعةُ ضلالةٍ وبِدعة هدى، وقالَ الإمامُ الشافعيُّ: «البِدعةُ ضَربان: بِدعةُ هُدى وبِدعةُ ضَلالة»، ومن البدع الحسنة جمع عمر رضي الله عنه النّاس على صلاة التراويح في رمضان وكانوا في أيّام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّونـها فرادى وقال عمر عن ذلك « نِعمَ البِدعَةُ هَذِهِ »، ومن بدع الهدى جمع القرآن في عهد الصديق لما قال له عمر رضي الله عنه يوم اليمامة: إِنِّى أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ فِى الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا ، فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وَإِنِّى أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ، قال الصديق: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، قال الصديق: فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِى فِى ذَلِكَ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِى لِلَّذِى شَرَحَ لَهُ صَدْرَ عُمَرُ، فأمر بجمع القرآن. 

  كذلك من البدع الحسنة زيادة عثمان بن عفّان رضي الله عنه أذاناً ثالثا يوم الجمعة، روى أبو داود بسند صحيح عن السَّائِب بْن يَزِيدَ: « أَنَّ الأَذَانَ كَانَ أَوَّلُهُ حِينَ يَجْلِسُ الإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِى عَهْدِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ رضى الله عنهما فَلَمَّا كَانَ خِلاَفَةُ عُثْمَانَ وَكَثُرَ النَّاسُ أَمَرَ عُثْمَانُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالأَذَانِ الثَّالِثِ فَأُذِّنَ بِهِ عَلَى الزَّوْرَاءِ فَثَبَتَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ».     

   عباد الله: لقد فرح الكون كله بميلاد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فميلاده رافقه نور أضاء  قصور الشام، وملأ البيت الذي ولد فيه، وارتج إيوان كسرى بفارس وسقط اربع عشرة شرفة من شرفاته، وخمدت نار فارس التي لم تَخمُد منذ ألف سنة، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتفل بيوم ميلاده كل أسبوع، ويعبر عن هذا الاحتفال بالصيام، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِىِّ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الاِثْنَيْنِ فَقَالَ: « فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَىَّ ».

  والاحتفال بميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه معاني الفرح برسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا عمل مرغوب فيه، قال الله عز وجل: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، قال ترجمان القرأن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: «فضل الله هو العلم، ورحمته هوسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم »، روى الامام أحمد والنسائي عن مُعَاوِيَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ يَعْنِي مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا :«أَجْلَسَكُمْ؟» قَالُوا: جَلَسْنَا نَدْعُو اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِدِينِهِ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِكَ قَالَ: «آللَّهُ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ؟» قَالُوا: آللَّهُ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَلِكَ قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهَمَةً لَكُمْ وَإِنَّمَا أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ» ومن أعظم النعم نعمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

 الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى آله ومن والاه، أما بعد :

 عباد الله : لقد استحسن عمل المولد علماء كثر،منهم أحمد بن حجر العسقلاّني وتلميذه الحافظ السَخاوي، والامام ابن كثير والإمام النووي، والامام ابن حجر الهيتمي وكذلك الامام الحافظ السّيوطي الذي قال عن الاحتفال بالمولد النبوي: "هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف صلى الله عليه وسلم"

   وقد استنبط أحمد بن حجر العسقلاّني تخريج جواز عمل المولد من حديث ثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه "قدم المدينة فوجد اليهود يصومون عاشوراء فسألهم فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون و نجى فيه موسى فنحن نصومه شكرا لله، فقال صلى الله عليه وسلم نحن أولى بموسى منكم"، قال الحافظ: "فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَنَّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة في ذلك اليوم. 

  عباد الله: هذه اجتهادات بعض علماء الإسلام على مر العصور في ندب أو إباحة الاحتفال بالمولد النبوي، وأقل ما يقال باعتبار مخالفة عدد من علماء الإسلام لهذه الفتاوى أن المسألة خلافية، والخلاف رحمة، فلا ينكر فريق على فريق ان احتفل، أو ترك، "فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه"

الختم بالدعاء ...

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-