خلق الصدق في الكلام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم - خطبة مؤثرة

خلق الصدق في الكلام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم

خُلُقُ الصِّدْقِ فِي الْكَلَامِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
خُلُقُ الصِّدْقِ فِي الْكَلَامِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم 

خُلُقُ الصِّدْقِ فِي الْكَلَامِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

 اقتباس من الخطبة:
فَقَدِ اشْتُهِرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي مَكَّةَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِلَقَبِ الصَّادِقِ الْأَمِينِ ... 
اَلْخُطْبَةُ الْأَولَى:
  اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الذِي أَمَرَ بِالصِّدْقِ فِي النِّيَّاتِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَأَثْنَى عَلَى الصَّـادِقِينَ بِالْفَضْلِ وَالْكَمَالِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَصْدَقُ مَنْ نَطَقَ وَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الذِينَ صَدَقُواْ فِي كُلِّ الظُّرُوفِ وَالْأَحْوَالِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَتَحَلَّى بِأَخْلَاقِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْمَئَالِ.
 أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ: مَا زِلْنَا نُوَاصِلُ تَنَزُّهَنَا وَإِيَّاكُمْ فِي رِيَاضِ أَخْلَاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لِنَقْطِفَ بَعْضًا مِنْ أَزْهَارِهَا وَنُزَيِّنَ بِهَا حَيَاتَنَا، فَنَسْعَدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ». وَسَنَعِيشُ الْيَوْمَ وَإِيَّاكُمْ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى  هَذِهِ اللَّحَظَاتِ الْمُبَارَكَةَ، وَهَذِهِ الدَّقَائِقَ الْمَعْدُودَةَ مَعَ خُطْبَةٍ تَحْتَ عُنْوَانِ: خُلُقُ الصِّدْقِ فِي الْكَلَامِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَسَنُرَكِّزُ كَلَامَنَا عَلَى هَذَا الْعُنْوَانِ مِنْ خِلَالِ ثَلَاثَةِ عَنَاصِرَ:
 الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: 
 مَفْهُومُ الصِّدْقِ وَأَهَمِّيَّتُهُ، فالصِّدْقُ – أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ - هُوَ: مُطَابَقَةُ مَنْطُوقِ اللِّسَانِ لِلْحَقِيقَةِ، وَهُوَ ضِدُّ الْكَذِبِ. وَتَظْهَرُ أَهَمِّيَّةُ خُلُقِ الصِّدْقِ حِينَمَا نُلَاحِظُ أَنَّ جُزْاءَ كَبِيراً مِنَ الْعَلَاقَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَالْمُعَامَلَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ، تَعْتمِدُ عَلَى شَرَفِ الْكَلِمَةِ، فَلَوْلَا الثِّقَةُ بِشَرَفِ الْكَلِمَةِ وَصِدْقِهَا لَتَفَكَّكَتْ مُعْظَمُ الرَّوَابِطِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَكْفِي أَنْ نَتَصَوَّرَ مُجْتَمَعاً قَائِماً عَلَى الْكَذِبِ، لِنُدْرِكَ مَبْلَغَ تَفَكُّكِهِ وَانْعِدَامِ صُوَرِ التَّعَاوُنِ بَيْنَ أَفْرَادِهِ، كَيْفَ يَكُونُ لِمُجْتَمَعٍ مَّا كَيَانٌ مُتَمَاسِكٌ، وَأَفْرَادُهُ لَا يَتَعَامَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالصِّدْقِ؟!، وَكَيْفَ يَكُونُ لِمِثْلِ هَذَا الْمُجْتَمَعِ رَصِيدٌ مِنْ ثَقافَةٍ أَوْ تَارِيخٍ أَوْ حَضَارَةٍ؟!، وَكَيْفَ يُوثَقُ بِنَقْلِ الْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ؟!، وَكَيْفَ يُوثَقُ بِنَقْلِ الْأَخْبَارِ وَالتَّوَارِيخِ؟!، وَكَيْفَ يُوثَقُ بِالْوُعُودِ وَالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ؟!، وَكَيْفَ يُوثَقُ بِالدَّعَاوِي وَالشَّهَادَاتِ وَدَلَائِلِ الْإِثْبَاتِ الْقَوْلِيَّةِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الصِّدْقُ أَحَدَ أُسُسِ التَّعَامُلِ بَيْنَ النَّاسِ؟. 
الْعُنْصُرُ الثَّانِي: 
 خُلُقُ الصِّدْقِ فِي الْكَلَامِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدِ اشْتُهِرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي مَكَّةَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِلَقَبِ: الصَّادِقِ الْأَمِينِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ). صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَبَلِ الصَّفَا، فَنَادَى قُرَيْشًا حَتَّى اجْتَمَعُواْ، فَقَالَ لَهُمْ: « أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُواْ: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا... وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا وَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ جَاءَ بِالصِّدْقِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَالذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)، كَمَا يَشْهَدُ لِصِدْقِهِ صلى الله عليه وسلم الْعِلْمُ الْحَدِيثُ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ -: « إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِك، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِك، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيه الرُّوحَ... »، فَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَذْكُرُ شَيْئاً مِمَّا لَا تُدْرِكُهُ حَوَاسُّ الْبَشَرِ وَلَا إِمْكَانَاتُهِمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ الْأَجِنَّةِ وَأَطْوَارِهَا، وَلِذَلِكَ اعْتَبَرَهُ الْعُلَمَاءُ دَلِيلاً عَلَى صِدْقِ نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ صلى الله عليه وسلم ، لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ التَّفْصِيلِيَّ الْمَذْكُورَ هُنَا مَا كَانَ لِيُعْرَفَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا عُرِفَ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ بَعْدَ تَطَوُّرِ الْعُلُومِ وَآلَاتِهَا، وَهَذَا هُوَ الذِي جَعَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَدِّرُ حَدِيثَهُ بِقَوْلِهِ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ.
       نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبينِ، وَبِسُنَّةِ نَبيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمينَ.
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
      اَلْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
 الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: 
 وُجُوبُ الصِّدْقِ، فَالصِّدْقُ لَيْسَ مِنَ النَّوَافِلِ، بَلْ هُوَ مِنَ الْفَرَائِضِ التِي يَأْثَمُ تَارِكُهَا، وَيَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ). وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ». وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: "مَا مِنْ مَضْغَةٍ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ لِسَانِ صَدُوقٍ، وَمَا مِنْ مُضْغَةٍ أَبْغَضَ إِلَى اللهِ مِنْ لِسَانٍ كَذُوبٍ". 
 فَاتَّقُواْ اللَّهَ – أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ - وَاعْرِفُواْ لِخُلُقِ الصِّدْقِ مَقَامَهُ وَفَضْلَهُ وَالْزَمُوهُ وَتَحَرَّوْهُ، وَاعْرِفُواْ لِلْكَذِبِ قُبْحَهُ وَشَرَّهُ وَاجْتَنِبُوهُ وَاحْذَرُوهُ وَتَحَاشَوْهُ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ.
الختم بالدعاء...
من اعداد: الأستاذ رشـيــد الـمـعاشــي
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-