وجوب التحلي بالأمل مع الإجتهاد في العمل - خطبة مؤثرة

 وجوب التحلي بالأمل مع الإجتهاد في العمل

التحلي بالأمل مع الإجتهاد في العمل - خطبة مؤثرة
وجوب التحلي بالأمل مع الإجتهاد في العمل 

بسم الله الرحمان الرحيم 

وُجُوبُ التَّحَلِّي بِالْأَمَلِ، مَعَ الِاجْتِهَادِ وَالْعَمَلِ

اَلْخُطْبَةُ الْأَولَى:

     اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَتَحَ بَابَ الْأَمَلِ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً نَأْمُلُ أَنْ نَدْخُلَ بِهَا الْجَنَّةَ آمِنِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مَنْ تَحَلَّى بِالْأَمَلِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِينِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:

   لَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا كَثِيرَةَ التَّقَلُّبِ، لَا تَسْتَقِيمُ لِأَحَدٍ علَى حَالٍ، فَفِيهَا خَيْرٌ وَشَرٌّ، وَصَلَاحٌ وَفَسَادٌ، وَسُرُورٌ وحُزْنٌ، وَصِحَّةٌ وَمَرَضٌ، تَمَوُّجُ بِأَهْلِهَا مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَالشَّدَائِدُ قَدْ تُوَرِّثُ الْمَرْءَ لَوْنًا مِنَ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، مِمَّا لَا يَلِيقُ بِالْمؤْمِنِ، لِذَلِكُمْ اِخْتَرْتُ أَنْ تَكُونَ خُطْبَتُنَا لِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ السَّعِيدِ - بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى – عَنْ عِبَادَةِ الْأَمَلِ تَحْتَ عُنْوَانِ: وُجُوبُ التَّحَلِّي بِالْأَمَلِ، مَعَ الِاجْتِهَادِ وَالْعَمَلِ، وَسَيَنْتَظِمُ كَلَامُنَا حَوْلَ هَذَا الْعُنْوَانِ فِي ثَلَاثَةِ عَنَاصِرَ:

الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ:

 مَفْهُومُ الْأَمَلِ وَحُكْمُهُ وَفَضْلُهُ، فَالْأَمَلُ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ هُوَ: تَوَقُّعُ حُدُوثِ شَيءٍ جَمِيلٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُسْتَبْعَدٍ حُصُولُهُ، وَانْشِرَاحُ النَّفْسِ فِي وَقْتِ الضِّيقِ وَالْأَزَمَاتِ. وَلَوْلَا الْأَمَلُ مَا تَابَ تَائِبٌ، وَلَا تَدَاوَى مَرِيضٌ، وَلَا بَنَى بَانٍ، وَلَا غَرَسَ غَارِسٌ... لِذَلِكُمْ فَالتَّحَلِّي بِالْأَمَلِ وَاجِبٌ عَلَى الْمُؤْمِنِ، ذَلِكَ أَنَّ عِمَارَةَ الْأَرْضِ، وَتَحقِيقَ مُهِمَّةِ الِاسْتِخْلَافِ فِيهَا لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ، يُقُولُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ). قَالَ الْإِمَامُ الطَّبَرِيُّ رَحِمَه اللَّهُ: يَعْنِي: لَا تَقْنَطُواْ مِنْ أَنْ يُرَوِّحَ اللَّهُ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الْحُزْنِ عَلَى يُوسُفَ، إِنَّهُ لَا يَقْنَطُ مِنْ فَرَجِهِ وَرَحْمَتِهِ وَيَقْطَعُ رَجَاءَهُ مِنْهُ إِلَّا الْقَوْمُ الذِينَ يَجْحَدُونَ قُدْرَتَهُ عَلَى مَا شَاءَ تَكْوِينَهُ. وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)... وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "...وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الْكَربِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً". لِذَلِكُمْ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُقَوِّيَ أَمَلَهُ فِي اللَّهِ مَهْمَا اشْتَدَّتِ الْأَزَمَاتُ، وَمَهْمَا انْقَطَعَتِ الْأَسْبَابُ عِنْدَ الْمُلِمَّاتِ.

الْعُنْصُرُ الثَّانِي:

 نَمَاذِجُ مُشْرِقَةٌ فِي الْأَمَلِ، فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَظْهَرُ لَنَا قُوَّةُ أَمَلِهِ فِي اللَّهِ، رَغْمَ أَنَّ رِسَالَةَ دِينِ الْإِسْلَامِ كَانَتْ تَعِيشُ آنَذَاكَ أَحْلَكَ ظُرُوفِهَا، وَلَمْ تَكُنْ هُنَاكَ أَيُّ مُؤَشِّرَاتٍ عَلَى قُرْبِ النَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِـي ظِلِّ الْكَعْبةِ، فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: " قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ فِـي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ" . وَهَذَا نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، حِينَ أَدْرَكَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ... فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)... فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: (أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)... فَنَجَّى اللَّهُ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ، وَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَمَنْ مَعَهُ. وَلِكُلِّ مُؤْمِنٍ صَادِقٍ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي هَؤُلَاءِ الْكِرَامِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ.

 نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبينِ، وَبِسُنَّةِ نَبيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمينَ.

اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

  اَلْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:

الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: الْأَمَلُ قَرِينُ الْعَمَلِ، فَهُنَاكَ رِبَاطٌ وَثِيقٌ بَيْنَ الْأَمَلِ وَالْعَمَلِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ الذِي يَأْمُلُ شَيْئاً وَيَتَمَنَّاهُ لاَبُدَّ أَنْ يَعْمَلَ وَيَسْعَى جَاهِداً لِتَحْقِيقِهِ، وَيَأْخُذَ بِجَمِيعِ الْأَسْبَابِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى هَدَفِهِ، مَعَ تَمَامِ التَّوَكُّلُ عَلَى خَالِقِهِ، وَقَدِيمًا قِيلَ: مَنْ جَدِّ وَجَدَ، وَمَنْ زَرَعَ حَصَدَ، وَمَنْ طَلَبَ الْعُلَى سَهِرَ اللَّيَالِيَ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَقَدُ الذِي غَرَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُلُوبِ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: "اِعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ". وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: سَلْ، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: "أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ"، قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: "فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ"، بِكَثْرَةِ السُّجُودِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا قَابِعِينَ فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، فَسَأَلَهُمْ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُواْ: نَحْنُ الْـمُتَوَكِّلُونَ عَلَى اللَّهِ، فَعَلَاهُمْ بِدِرَّتِهِ ونَهَرَهُمْ، وَقَالَ: لَا يَقْعُدَنَّ أَحَدُكُمْ عَنْ طَلَبِ الرِّزْقِ، وَيَقُولُ: اَللَّهُمَّ ارْزُقْنِي، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ السَّمَاءَ لَا تُمطِرُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً، وَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ). (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)، (وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّـهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ).

الختم بالدعاء ...

من اعداد: الأستاذ رشـيــد الـمـعاشــي 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-