أسباب السعادة - خطبة مؤثرة
أسباب السعادة - خطبة مؤثرة |
تَذْكِيرُ ذَوِي الْأَلْبَابِ، بِمَا لِلسَّعَادَةِ مِنَ الْأَسْبَابِ
بسم الله الرحمان الرحيم
اَلْخُطْبَةُ الْأَولَى: اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَكْرَمَ بِالْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ مَنْ أَطَاعَهُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً نَسْعَدُ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الدِّينِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ السُّعَدَاءِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ السَّعَادَةَ هِيَ الْهَدَفُ الْأَسْمَى لِكُلِّ النَّاسِ رَغْمَ اخْتِلَافِ انْتِمَاءَاتِهِمْ، يَتَّفِقُونَ جَمِيعاً فِي طَلَبِهَا، وَيَبْذُلُونَ الْغَالِيَ وَالنَّفِيسَ فِي سَبِيلِهَا، وَلَكِنَّ الْكَثِيرَ مِنْهُمْ أَخْطَأُواْ طَرِيقَهَا، وَطَلَبُواْ سَعَادَةً زَائِفَةً، وَطَيْفَ خَيَالٍ (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسِبُه الظَّمْآنُ ماءً، حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً)، لِذَلِكُمْ سَيَكُونُ عُنْوَانُ خُطْبَتِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ السَّعِيدِ – بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى - هُوَ: تَذْكِيرُ ذَوِي الْأَلْبَابِ، بِمَا لِلسَّعَادَةِ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَسَيَنْتَظِمُ كَلَامُنَا حَوْلَ هَذَا الْعُنْوَانِ فِي ثَلَاثَةِ عَنَاصِرَ:
الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ:مَفْهُومُ السَّعَادَةِ وَأَهَمِّيَّتُهَا، فَالسَّعَادَةُ فِي اللُّغَةِ – أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ -: تَدُلُّ عَلَى الْخَيْرِ وَالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ، وَهِيَ ضِدُّ الشَّقَاءِ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ هِيَ: سَكِينَةُ النَّفْسِ، وَاطْمِئْنَانُ الْقَلْبِ، وَرَاحَةُ الْبَالِ، وَرِضًى بِالْحَالِ، وَسَعَةُ الصَّدْرِ وَانْشِرَاحُهُ، وَقَنَاعَةٌ دَائِمَةٌ بِمَا قَسَمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهَذَا الشُّعُورُ يَأْتِي نَتِيجَةً لِاسْتِقَامَةِ السُّلُوكِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ. فَمِنْ خِلَالِ هَذَا التَّعْرِيفِ يَتَبَيَّنُ لَنَا أَنَّ السَّعَادَةَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ التِي تَنْبُعُ مِنْ دَاخِلِ الْإِنْسَانِ، وَتَنْعَكِسُ عَلَى ظَاهِرِهِ بَعْدَ أَنْ يَمْتَلِئَ بِهَا الْجَنَانُ، كَمَا كَانَ الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ، قَالَ الْإِمَامُ الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّنَا فِي سَعَادَةٍ لَوْ تَعْلَمُ بِهَا الْمُلُوكُ لَجَالَدُونَا عَلَيْهَا بِالسُّيُوفِ. وَأَمَّا مَا يَعْتَقِدُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ أَنَّ السَّعَادَةَ هِيَ: إِشْبَاعُ غَرَائِزِ الْجَسَدِ وَشَهَوَاتِ الذَّاتِ... فَإِنَّ هَذِهِ السَّعَادَةَ الْمَادِّيَّةَ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْحَيَوَانُ مَعَ الْإِنْسَانِ، بَلْ قَدْ يَتَفَوَّقُ فِيهَا الْحَيَوَانُ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَالذِينَ يَبْنُونَ سَعَادَتَهُمْ عَلَى إِشْبَاعِ غَرَائِزِ الْجَسَدِ وَشَهَوَاتِ الذَّاتِ هُمْ أَشْبَهُ بِالْحَيَوَانَاتِ، وَسَتَنْتَهِي سَعَادَتُهُمْ بِضُعْفِ غَرَائِزِهِمْ، وَنِهَايَةِ قُدْرَتِهِمْ عَلَى إِشْبَاعِهَا، فَتَتَحَوَّلُ حَيَاتُهُمْ إِلَى جَحِيمٍ لَا يُطَاقُ، (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ).
الْعُنْصُرُ الثَّانِي: ضَرَورَةُ التَّوازُنِ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ، فَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يُنْكِرَ بِأَنَّ الشَّهَوَاتِ الْمَادِّيَّةَ التِي خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْإِنْسَانِ تُعْتَبَرُ مِنْ أَسْبَابِ السَّعَادَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، رَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ..."، وَلَكِنَّ الْإِنْسَانَ فِيهِ جَسَدٌ وَرُوحٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ). وَالتَّرْكِيزُ عَلَى الْجَسَدِ الْفَانِي وَالِاهْتِمَامُ بِتَحْصِيلِ شَهَوَاتِهِ عَلَى حِسَابِ الرُّوحِ الْخَالِدَةِ يُؤَدِّي إِلَى اخْتِلَالِ التَّوازُنِ، فَيَصِيرُ الْإِنْسَانُ كَـالطَّائِرِ الذِي يُحَلِّقُ بِجَنَاحٍ وَاحِدٍ وَالْآخَرُ مَكْسُورٌ، فَيُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلشَّقَاءِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى). فَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْجَسَدَ وَجَعَلَ غِذَاءَهُ مِنَ الْأَرْضِ، لَأَنَّ مَبْدَأَهُ مِنَ الْأَرْضِ وَمُنْتَهَاهُ إِلَيْهَا، وَخَلَقَ الرُّوحَ وَجَعَلَ غِذَاءَهَا مِنَ وَحْيِ السَّمَاءِ، لَأَنَّ مَبْدَأَهَا مِنَ السَّمَاءِ وَمُنْتَهَاهَا إِلَيْهَا، وَلَا بُدَّ مِنَ الْمُوَازَنَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ مَنْهَجُ الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبينِ، وَبِسُنَّةِ نَبيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمينَ.
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: اَلْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ:مِنْ أَسْبَابِ السَّعَادَةِ، فَالسَّعَادَةُ لَا تُباعُ وَلَا تُشْتَرَى، وَإِنَّمَا هِيَ هِبَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَهْمَا بَحَثَ الْإِنْسَانِ عَنْهَا فِي غَيْرِ طَرِيقِ اللَّهِ فَلَنْ يَحْصُدَ إِلَّا الضَّنْكَ وَالشَّقَاءَ، وَمِنْ فَضْلِ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ جَعَلَ لَهُمْ أَسْبَاباً لِلسَّعَادَةِ، مِنْ أَعْظَمِهَـــا: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ رَبّاً وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَالْإِقْبَالُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ ِبِمَفْهُومِهِ الْعَامِّ وَالشَّامِلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ".
فَاتَّقٌوا اللَّهَ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ -، وَتَمَسَّكُواْ بِالْإِيمَانِ الصَّادِقِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ تَسْعَدُواْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، (وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّـهَ وَيَتَّقِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ).
هَذَا وَخَيْرُ مَا نَخْتَتِمُ بِهِ الكَلَامَ، وَنَجْعَلُهُ مِسْكَ الْـخِتَامِ، أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ، عَلَى خَيْرِ الوَرَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَمْرَكُمْ اللَّـهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَى هَذَا الرَّسُولٍ الْكَرِيمِ فَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا صَلُواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا. اَللَّهُمْ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ انك حميد مجيد
الختم بالدعاء ...
من اعداد: الأستاذ رشـيــد الـمـعاشــي