مثل المؤمن كالنحلة - خطبة مؤثرة

 مثل المؤمن كالنحلة - خطبة مؤثرة

مثل المؤمن كالنحلة - خطبة مؤثرة
مثل المؤمن كالنحلة - خطبة مؤثرة

مثل المؤمن كالنحلة - خطبة مؤثرة

بسم الله الرحمان الرحيم 

اقتباس من الخطبة:
فالنحلة لا يخرج منها إلا العسل، الذي هو شفاء للناس، وكذلك المومن لا يصدر منه إلا الطيب، لا يصدر من لسانه إلا الكلام الطيب...
الخطبة الأولى:
 إِن الحمد لله، نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا، وَمن سيئات أَعمالنَا، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ...
أما بعد:
 معشر المومنين: أخرج ابن حبان في صحيحه، عَنْ أبِي رَزِين رضي الله عنه، أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النّحْلَةِ لَا تَأْكُلُ إِلَّا طَيِّبًا وَلَا تَضَعُ إِلَّا طَيِّبًا»، وفي رواية أخرى: «مَثَلُ المُؤْمِنِ مَثَلُ النَّحْلَةِ إِنْ أَكَلَتْ أَكَلَتْ طَيِّباً وَإِنْ وَضَعَتْ وَضَعَتْ طَيِّباً وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عُودٍ نَخِرٍ لمْ تَكْسِرْهُ».
في هذين الحديثين العظيمين يضرب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته مثلا بليغا، حيث شبه المومن بالنحلة، شبه المومن بهذه الحشرة الصغيرة التي كرمها الله وأوحى إليها، وجاءت سورة كاملة في القرآن الكريم تحمل اسمها، وهذا فيه إشارة من الحق عز وجل لعباده المومنين للتشبه بهذا الكائن العجيب، قال الله عز وجل في سورة النحل (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، وتشبيه النبي صلى الله عليه وسلم للمومن بالنحلة يدل على أن المومن والنحلة يتفقان في عدة صفاة، ولهما أوجه شبه كثيرة منها: أن النحلة لا تأكل إلا طيبا، لا تاكل إلا رحيق الأزهار والثمار الطيبة، أما الأقذار والأوساخ فتترفع عنها، وهذا نشاهده بأعيننا، فما رأينا أبدا نحلة وقعت على قدرة ولا على وسخ ولا على شيء منتن، وإنما تبحث عن الأشياء الطيبة «لَا تَأْكُلُ إِلَّا طَيِّبًا»، وكذلك المومن لا ياكل إلا طيبا ولا يتحرى لنفسه ولا لأهله وذريته إلا الحلال الطيب، أما الخبائث والحرام والمنهيات فهو يترفع عنها كما تترفع النحلة عن الأقدار والأوساخ، يقول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، فالمومن الذي يخلص في عبادته لله عز وجل لا يأكل إلا طيبا، لأن معبدوده طيب لا يقبل إلا طيبا.
عباد الله: هذا وجه الشبه الأول، أما وجه الشبه الثاني بين المومن والنحلة فعبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «وَلَا تَضَعُ إِلَّا طَيِّبًا»، أو قوله: «وَإِنْ وَضَعَتْ وَضَعَتْ طَيِّباً»، فالنحلة لا يخرج منها إلا العسل، الذي هو شفاء للناس، وكذلك المومن لا يصدر منه إلا الطيب، لا يصدر من لسانه إلا الكلام الطيب من ذكر لله وتلاوة القرآن وإفشاء السلام والكلام الطيب الذي يثلج صدور إخوانه المومنين، روى الشيخان عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ» وفي صحيح ابن حبان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللِّعَانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ»، والمومن لا يصدر من قلبه إلا الإحساس الطيب، من رحمة ولين وذلة على المومنين، ولا يحمل في قلبه غلا ولا حسدا تجاه إخوانه، فهو محبوب عند الله عز وجل لأنه أتصف بصفات يحبها الله عز وجل، ومحبوب كذلك عند الناس، فلا يصدر منه إلا القول الطيب أو الفعل الطيب لأخلاقه الحسنة، يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في المعجم الصغير للطبراني من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُمْ أَخْلَاقًا، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ».
عباد الله: ومن أوجه الشبه كذلك بين المومن والنحلة، ما عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عُودٍ نَخِرٍ لمْ تَكْسِرْهُ»، فالنحلة لخفتها ولطافتها إن وقعت على عود هش لا تكسره وإنما تقع عليه ثم تطير، وكذلك المومن لا يؤدي ولا يكسر ولا يجرح ولا يعتدي ولا يظلم، يقول الني صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»، ويقول كذلك صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري : «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ».
نفعني الله واياكم بالقرآن المبين، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى آله ومن والاه، أما بعد :
عباد الله: هكذا أرادنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا المثل البليغ الذي ضربه لنا، أن نكون كالنحلة، لا نقول إلا خيرا، ولا نفعل إلا خيرا وأن يتعدى نفعنا إلى غيرنا من إخواننا المسلمين وبهذا نكون قد دخلنا في زمرة الصالحين الذين يحبهم الله عز وجل، روى الطبراني في الكبير عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَتَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِضًا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا، أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ»
وخير ما نجعل مسك الختام أفضل الصلاة والسلام على شفيع الورى في الموقف العظيم، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سيدنا محمّد وَعلى آل محمد، كما صلّيت على آل إِبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إِبراهِيم فِي الْعَالمِين، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
الختم بالدعاء ...
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-