دلالات ومعاني الهجرة - خطبة قصيرة ومؤثرة

 دلالات ومعاني الهجرة - خطبة مؤثرة

دلالات ومعاني الهجرة - خطبة قصيرة ومؤثرة
دلالات ومعاني الهجرة - خطبة قصيرة ومؤثرة

دلالات ومعاني الهجرة

بسم الله الرحمان الرحيم

اقتباس من الخطبة:

 المهاجر الحق في زماننا هو من هجر الذنوب والمعاصي، وتاب واصطلح مع مولاه عز وجل ...

الخطبة الأولى:

 إِن الحمد لله، نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا، وَمن سيئات أَعمالنَا، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ...

أما بعد:

 معشر المومنين: نعيش هذه الأيام مع بداية العام الهجري الجديد، ذكرى من أعظم ذكريات المسلمين، التي لها وقع وأثر كبير في حياة المسلمين وتوجيه سيرورة تاريخ الدولة الإسلامية، إنها ذكرى الهجرة النبوية الشريفة، إنها الحدث العظيم الذي أظهر أن إرادة الله عز وجل فوق مكائد أعداء الدين مهما بلغت قواهم ومكائدهم، هذه الهجرة المباركة التي بفضلها وثلة من المومنين الصادقين - الذي التفوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصبروا على الظلم والإضطهاد - تغير حال الدعوة وكانت الفيصل بين عهد الإستضعاف وعهد النصر والتمكين.

 عباد الله: إن حدث الهجرة النبوية الشريفة ليس حدثا مر في التاريخ يسرده الناس ويقصونه، بل هو مدرسة نبوية يتعلم منها المسلمون ويتعظون ويعتبرون بأحداثها في كل زمان، فما هي أهم دلالات ومعاني الهجرة؟ وكيف نهاجر إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في زماننا هذا الهجرة الحق؟

 عباد الله: إن الهجرة النبوية لم تكن أبدا هروبا من مجتمع ضيق إلى مجتمع واسع، لم تكن أبدا هروبا من واقع سيء إلى واقع أحسن، بل هي تجسيد للسلوك التعبدي الإيماني الذي ينتقل فيه العبد السالك نحو مولاه عز وجل من العادة إلى العبادة، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن البعد عن الله إلى مرتبة القرب منه سبحانه وتعالى، فهي بذلك إذن مفهوم واسع شامل، روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْمُهَاجِرَ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى الله عَنْهُ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» ، وروى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا».

 عباد الله: إن المهاجر الحق في زماننا هو من هجر الذنوب والمعاصي، وتاب واصطلح مع مولاه عز وجل، ليدخل في زمرة المحبوبين، قال الله عز وجل (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).

 المهاجر الحق من هجر سيء الأخلاق وغلظة القلب في التعامل مع والديه وزوجه وأبنائه وجيرانه والناس أجمعين، لما علم أن المومن ينال بحسن خلقه أرفع الدرجات وأعلى المقامات، روى الطبراني في الكبير عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ عَظِيمَ دَرَجَاتِ الْآخِرَةِ، وَشَرَفَ الْمَنَازِلِ، وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْعِبَادَةِ، وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ بِسُوءِ خُلُقِهِ أَسْفَلَ دَرَجَةٍ فِي جَهَنَّمَ».

 المهاجر الحق من هجر الغفلة والغافلين الذين همهم الدنيا، وصحب الذاكرين الراجين وجه الله عز وجل، لما سمع قلبه نداء رب العالمين يأمره بأن يصبر ويصبر نفسه من الذاكرين الله كثيرا بالغدو والعشي، وينهاه عن صحبة المنفرط أمرهم، والمشتت شملهم، قال الله عز وجل (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)

 المهاجر الحق من هجر النفاق وأهله، استجابة لنداء ربه عز جل، لما دعاه ليكون من الصادقين ومع الصاديقين فيحبهم ويعمل بعملهم، قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).

 المهاجر الحق من أخلص القصد وتعلم العلم واكتسب الخبرة والمهارة التي تؤهل المسلمين لمستقبل التمكين في الأرض، منافسة لأعداء الدين، وأخذا بالأسباب في قوله عز وجل (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)

 نفعني الله واياكم بالقرآن المبين، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 

الخطبة الثانية:

 الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى آله ومن والاه، أما بعد :

 عباد الله: هذه بعض معاني هجرتنا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في زماننا، بها نسلك طريق الذين سبقونا بالإيمان بشرط تصحيح النية وإخاص القصد لله عز وجل، روى الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا»، فلنحرص على أن تكون هجرتنا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا لدنيا نصيبها، عسى أن نكون ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه، فنسعد في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)

 وأكثروا من الصلاة والسلام على شفيع الورى في الموقف العظيم، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سيدنا  محمّد وَعلى آل محمد، كما صلّيت على آل إِبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إِبراهِيم فِي الْعَالمِين، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 الختم بالدعاء ...

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-