داء الغفلة وعلاجه - خطبة مؤثرة

 خطبة مؤثرة عن داء الغفلة وعلاجه

داء الغفلة وعلاجه - خطبة مؤثرة
داء الغفلة وعلاجه - خطبة مؤثرة

داء الغفلة وعلاجه

اقتباس من الخطبة:
 الغفلة عن الله داء عظيم وصفة من صفات المنافقين، وسببه الأعظم عدم سماع الموعظة والذكرى، لأن الذكرى تغدية القلوب، وإذا انقطعت عنها، فإن الأرواح حينئذ تغفل عن ما ينتظرها وما هي مدعوة إليها.
الخطبة الأولى:
إِن الحمد لله، نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا، وَمن سيئات أَعمالنَا، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ...
أما بعد:
معشر المومنين والمومنات: يقول ربنا عز وجل في مطلع سورة الأنبياء (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ، مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ،لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ)، في هذه الآية العظيمة، يحذرنا ربنا عز وجل من داء خطير أصاب قلوب كثير من الناس إلا من رحم الله عز وجل، هذا الداء والعياذ بالله سبب للخسران في الدنيا والاخرة إن لم يتب منه صاحبه ويعالج قلبه منه، إنه داء الغفلة يا عباد الله، غفلة القلب عن الله، التي تورث غفلة الجوارح، لأن القلب هو ملِك الأعضاء، إذا أصيب القلب بداء فإن الأعضاء تبعا له، قال حبيبنا المصطفى ﷺ كما في الصحيحين: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».
 عباد الله: إن الغفلة عن الله داء عظيم وصفة من صفات المنافقين، وسببه الأعظم عدم سماع الموعظة والذكرى، لأن الذكرى تغدية القلوب، وإذا انقطعت عنها، فإن الأرواح حينئذ تغفل عن ما ينتظرها وما هي مدعوة إليه، ولذلك ثبت في صحيح مسلم، أن النبي ﷺ قال: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ (الْجَمَاعَاتِ: وفي رواية ابن ماجة)، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ»، والذكرى التي تحيي القلوب من الغفلة هي انتباه الإنسان إلى ما ينتظره، وما هو على موعد معه، فإن لنا موعدا حتميا مع ملك الموت، قال الله عز وجل (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ اجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)، وقال سبحانه (حَتَّى إِذَا جَاءَ احَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ).
 عباد الله: إن الناس ينقسمون في هذه الذكرى التي تعالج الغفلة إلى أربعة أقسام:
القسم الأول:
 هم الذي لا يتحملون سماع الذكرى، فيفرون منها كما يفرون من الأسد، وهم المشركون الذين قال الله فيهم (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ، كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفَرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ)
القسم الثاني: 
هم الذين يسمعون الذكرى بآذانهم، ولكن آذانهم غير أمينة، فلا توصلها إلى القلوب، وهم المنافقون الذين طبع الله على قلوبهم، كما قال الله عز وجل في شأنهم (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ)
القسم الثالث: 
هم الذين يُفَصِّلون في الذكرى، فيسمعونها من بعض الناس دون بعض، فإذا سمعوا مذكرا يعجبهم أو من جماعتهم استمعوا إليه، وإذا قام غيره أعرضوا عنه، وهؤلاء لم يتواضعوا لخلق الله ولم يتأسوا برسول الله ﷺ حق الأسوة، ولذلك لما سُئِلَ الفضيل بن عياض رحمه الله عن التواضع قال: "أَنْ تَخْضَعَ لِلْحَقِّ وَتَنْقَاد لَهُ وَلَوْ سَمِعْتَهُ مِنْ صَبِيٍّ قَبلْتَهُ مِنْهُ وَلَوْ سَمِعْتَهُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ قَبلْتَهُ مِنْهُ"
القسم الرابع:
هم الذين يعرفون الذكرى ويستمعون إليها من كل أحد، فينتفعون بما فيها من الخير، ولا يضرهم ما فيها من الغير، أولائك هم المبشرون ببشارة الله، قال الله عز وجل في شأنهم (فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)، وقال كذلك (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ)، وقال عز من قال (فَذَكِّرْ اِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى، سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى، وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى)، جعلنا الله وإياكم من الأتقياء، نفعني الله واياكم بالقرآن المبين، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
  الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى آله ومن والاه، أما بعد :
عباد الله: إن من أسباب علاج الغفلة عن الله، بالإضافة إلى سماع الذكرى والموعظة، كثرة ذكر الله وتلاوة القرآن، قال الله عز وجل (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ)
 فبادروا رحمكم الله إلى التوبة إلى الله، وعالجوا قلوبكم من الغفلة، ووطنوها على الايمان قبل فوات الأوان، روى البخاري في صحيح، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: وهَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)
 وخير ما نجعل مسك الختام أفضل الصلاة والسلام على شفيع الورى في الموقف العظيم، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سيدنا محمّد وَعلى آل محمد، كما صلّيت على آل إِبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إِبراهِيم فِي الْعَالمِين، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
الختم بالدعاء ...
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-