ثالث صفات عباد الرحمان (التهجد باليل) - خطبة مؤثرة

 

ثالث صفات عباد الرحمان أنهم (يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً)
بسم الله الرحمان الرحيم

ثالث صفات عباد الرحمان (التهجد باليل)

 الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتنال القربات، وترفع الدرجات، والصلام والسلام على أشرف الكائنات، سيدنا وحبيبنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين ... (المقدمة) أما بعد: 
 معشر المومنين والمومنات: لا يزال حديثنا متواصلا عن صفات عباد الرحمان المكرمين الذين يحبهم الله عز وجل ويحبونه، وبعد أن حدثنا الحق عز وجل عن حالهم في أنفسهم، وحالهم التواضع لا الفخر ولا الكبرياء (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)، وحدثنا عن حالهم مع الناس وهي حالة من يمر باللغو كريما، ولا يخاطب الجاهلين إلا سلاما (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، انتقل سبحانه وتعالى إلى بيان حالهم معه سبحانه وتتجلى حالهم هذه في جنح الليل إذا أوى الناس إلى فرشهم وأنسوا بنومهم، كان لهم حال مع مولاهم عز وجل (يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً)، فهم بين سجود وقيام يأنسون بمناجاة ربهم وطول الوقوف بين يديه، يدعونه خوفا وطمعا، يرغبون في أحب القربات إلى الله عز وجل بعد الفرائض ألا وهي قيام الليل، روى الإمام مسلم عن أَبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاَةُ اللَّيْلِ »، إذا فعباد الرحمان يوثرون الوقوف بين يدي مولاهم بالليل عن لذة النوم، لا ينامون الليل كله، بل لهم نصيب منه يقومونه يتلون فيه كلام الله عز وجل يناجونه ويأنسون بمحبوبهم يسألونه الرحمة ويستعيذون به من النار وصدق الله العظيم حين وصفهم قائلا (أَمنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)
 عباد الله: إن الناس يتفاوتون في أعمالهم وهمهم ومحبتهم لله عز وجل، فمنهم من يقتصرعلى الفرائض لا يجتهد لنوافل الأعمال ليكون من المحبوبين عند الله عز وجل، فهذا الصنف يعيش صغيراً ويموت صغيراً، أما الصنف الثاني فهو صنف الأكابر المحبين لمولاهم والمشتاقين لمناجاته، فمالهم والنوم؟ ومالهم والراحة؟ ومالهم والفراش الدافئ؟ وهم يعلمون حال قدوتهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي كان يَقومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفطَّرَ قَدَمَاهُ ، فتسأله أم المومنين عائشة رضي الله عنها: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ الله وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأخَّرَ ؟ فيجيب قائلا: «أفَلاَ أكُونُ عَبْداً شَكُوراً» وصف الله حال هذا الصنف من عباده فقال عز وجل (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).
 عباد الله: إن لقيام الليل فضل كبير بينه حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته حتى يتنافسوا في هذه القربة العظيمة، أخرج الترمذي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ»، وقيام الليل هو شرف للمؤمن، أخرج البيهقي في الشعب عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتانى جبريل فقال لى يا محمدُ عِشْ ما شئتَ فإنك مَيِّت، وأحببْ من شئت فإنك مُفَارِقُه، واعمل ما شئتَ فإنك مُجْزَى به، واعلم أن شرفَ المؤمن قيامُه بالليل وعِزُّه استغناؤه عن الناس»
 نفعني الله واياكم بالقرآن المبين، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين 

الخطبة الثانية:

 الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى آله ومن والاه، أما بعد :
 عباد الله: لقد وصف الله عباده المكرمين بأنهم يكثرون السجود والقيام في جنح الليل ( يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً)، والسجود أقرب ما يكون العبد من ربه، والليل كذلك خاصة ثلثه الأخير، أخرج الترمذي عن عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أقْرَبُ ما يكون الرَّبُّ من العبد فى جَوْف اللَّيْلِ الآخِرِ فإن استطعت أن تكون ممن يَذْكُرُ الله فى تلك الساعة فكن»، بل و«يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ»، والدعاء في جوف الليل من أسمع الدعاء روى الترمذي عن أَبي أمامة - رضي الله عنه قَالَ: قيل لِرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الدُّعاءِ أَسْمَعُ؟قَالَ: «جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَواتِ المَكْتُوباتِ»
 فالتقوا الله عباد الله واجتهدوا أن يكون لكم حظ من الليل تستعينون به لظلمة القبر وهول القيامة والحساب والميزان والصراط،ولتقوا أنفسكم حر النار وتفوزوا بالجنة وتدخلوها مع الأبرار.
الختم بالدعاء ...


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-