خطبة عن تشميت العاطس - من حق المسلم على المسلم


    كثيرا ما يعطس أحدنا فلا نأبه لعطاسه، فاسمعوا رحمكم الله ماذا يترتب عن هذه العطسة البسيطة
بسم الله الرحمان الرحيم 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتنال القربات، وترفع الدرجات، والصلام والسلام على أشرف الكائنات، سيدنا وحبيبنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين ... (المقدمة) 
أما بعد: 
 معشر المومنين والمومنات: لازلنا في موضوع حقوق المسلم على المسلم، هذه الحقوق العظيمة والمهمة التي لو أديناها لإخواننا لسادة المحبة والمودة في مجتمعاتنا ولسعدنا في الدنيا والآخرة، وبعد أن تحدثنا في الخطب الماضية عن الحقوق الثلاثة الأولى والتي هي: إفشاء السلام، وإجابة الدعوة، والنصيحة، اليوم إن شاء الله ننتقل إلى الحقٍ الرابع الذي هو تشميت العاطس إذا حمد الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ».

عباد الله: كثيرا ما يعطس أحدنا فلا نأبه لعطاسه، فاسمعوا رحمكم الله ماذا يترتب عن هذه العطسة البسيطة، روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ»، وروى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ فِي بَيْتِ بِنْتِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَعَطَسْتُ فَلَمْ يُشَمِّتْنِي، وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى أُمِّي، فَأَخْبَرْتُهَا فَلَمَّا جَاءَهَا، قَالَتْ: عَطَسَ عِنْدَكَ ابْنِي فَلَمْ تُشَمِّتْهُ، وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَّهَا، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَكِ عَطَسَ فَلَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلَمْ أُشَمِّتْهُ، وَعَطَسَتْ فَحَمِدَتِ اللَّهَ، فَشَمَّتُّهَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ، فَشَمِّتُوهُ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ».

 إذا فالعطاس من نعم الله العظيمة علينا التي يجب أن نحمد الله عليها، قال ابن القيم رحمه الله: لَمَّا كَانَ الْعَاطِسُ قَدْ حَصَلَتْ لَهُ بِالْعُطَاسِ نِعْمَةٌ وَمَنْفَعَةٌ، بِخُرُوجِ الْأَبْخِرَةِ الْمُحْتَقِنَةِ فِي دِمَاغِهِ، الّتِي لَوْ بَقِيَتْ فِيهِ أَحْدَثَتْ لَهُ أَدْوَاءً عَسِرَةً؛ شُرِعَ لَهُ حَمْدُ اللّهِ عَلَى هَذِهِ النّعْمَةِ.
 وأول من عطس سيدنا آدم عليه السلام، روى الترمذي والنسائي والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا خَلَقَ اللَّه آدَم، وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوح عَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْد لِلَّهِ، فَحَمِدَ اللَّه بِإِذْنِهِ، فَقَالَ لَهُ رَبّه: يرحمك اللَّه يا آدم»، زاد ابن حبان: "فَلِذَلِكَ سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ".
 عباد الله: إن للعطاس آدابا راقية تدل على عظمة دين الإسلام، ورقي أهله إذا هم تمسكوا بتعاليمه وآدابه، فمن هذه الآداب: 
  • تغطية الوجه أو الفم بمنديل ونحوه وخفض الصوت، لما رواه أحمد وأبو داود والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَطَسَ، وَضَعَ ثَوْبَهُ أَوْ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ مِنْ صَوْتِهِ"، وفي المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا عَطَسَ أحدُكمْ، فَلْيَضَعْ كَفَّيهِ عَلَى وَجْهِهِ، ولْيَخْفِضْ صَوتَه".
  • ومن الآداب كذلك حمد الله ورفع الصوت بالحمد، وهو أن يقول إثر عطاسه: الحمد لله، أو الحمد لله رب العالمين؛ في صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ»
  • ومن الآداب كذلك أن يرد العاطس على من شمتــــه بالــــدعاء لــــه بالهدايــة وإصــلاح البال وذلك بوقوله له "يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ" ومعنى يصلح بالكم أي يصلح قلوبكم ونياتكم وأحوالكم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

 الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى آله ومن والاه، أما بعد : 
 عباد الله: كما للعطاس آداب فإن للتشميت كذلك آداب منها: 
  • أنه مقيد بحمد العاطس لله تعالى، فإن لم يحمد، فلا يُشمت، روى البخاري من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: عَطَسَ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا، وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ: هذَا حَمِدَ اللهَ، وَهذَا لَمْ يَحْمَدِ اللهَ، وفي رواية «فقال الذي لم يُشَمِّتّهُ: يا رسولَ اللَّه، شَمَّتَّ هذا، ولم تُشَمِّتْني؟ قال: إنَّ هذا حَمِدَ اللَّه، ولم تَحْمَدِ اللَّه»
  • ومن الآداب كذلك يُشَمَّت العاطس إذا تتابع منه العطاس ثلاثًا، روى الإمام مالك في الموطأ عبد اللَّه بن أبي بكر عن أبيه أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «إنْ عطس فَشَمِّتْهُ ، ثم إن عطس فَشَمِّته ، ثم إن عطس فَشَمِّته، ثم إن عطس فقُل ، إنك مضنوك» أي: مزكوم.
 الختم بالدعاء ...
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-