خطبة مؤثرة عن اجابة الدعوة - من حق المسلم على المسلم

 من لوازم الأخوة في الدين، أن نجيب دعوات إخواننا في شتى المناسبات ما لم تكن في معصية

بسم الله الرحمان الرحيم 

إجابة الدعوة من حق المسلم على المسلم 

 الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتنال القربات، وترفع الدرجات، والصلام والسلام على أشرف الكائنات، سيدنا وحبيبنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين ... (المقدمة)
أما بعد: 
 معشر المومنين والمومنات: لازلنا في موضوع حقوق المسلم على المسلم، فأي مسلمٍ نلتقي به له حقوق واجبة عليينا، والواجب ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه، فلذلك موضوع الحقوق موضوعٌ مهم وعظيم تتعلق به سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وقد تحدثنا في الخطبة الماضية عن الحق الأول الذي هو إفشاء السلام، واليوم إن شاء الله ننتقل إلى حقٍ آخر من حقوق المسلم على المسلم، ألا وهو إجابة الدعوة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ»، فإذا دعاك أخوك، له حقٌ عليك أن تجيب دعوته، وواجبٌ عليك أن تلبي هذه الدعوة، فإجابة الدعوة حقٌ واجبٌ على المسلم لأخيه المسلم، لأنها تحقق معنى الأُخوة والمحبة والمودة.
 عباد الله: من لوازم الأخوة في الله، ومن لوازم الأخوة في الدين، أن نجيب دعوات إخواننا في شتى المناسبات ما لم تكن في معصية، وتلبية الدعوة تحقق الأخوة وتزيد في الود وتصفِّي النفوس فيما بينها.
 والإسلام حث عليها واعتبر الممتنع عنها عاصياً، روى البخاري في صحيحه عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم»، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ترغيبا في الإتيان بحق إجابة الدعوة كما في صحيح الامام مسلم من حديث جابر رضي الله عنه: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ»، وفي هذا الحديث إشارةٌ لطيفةٌ جداً إلى أن المراد من هذه الدعوة اللقاء، فأن تأكل عند أخيك وأن تشرب شيئ ثانوي، ولكن الشيء الأساسي هو أن تلتقي به، هذا اللقاء يضمن المودة والمحبة والأُلفة.
عباد الله: إن لتلبية الدعوة آداب يتحلى بها المدعو حتى ينال الأجر عند الله والثواب العظيم منها:
 أن يكون مدعوا، فالمؤمن ما لم يدعَ فلا ينبغي له يُذل نفسه، ولا ينبغي له أن يذهب بلا دعوة، أو أن يصحب معه أبناءه أو أصدقاءه فيحرج الداعي ويكلف عليه مالا يطيق، روى أبو داود والبيهقي عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « مَنْ دُعِىَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا». 
 ومن الآداب كذلك أنه إذا دعي المومن من طرف اثنين أن يستجيب لمن سبق ويعتذر للآخر، وإذا تساويا في الوقت يستجيب لأقربهما، روى الإمام أحمد وغيره أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « إِذَا اجْتَمَعَ الدَّاعِيَانِ فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا أَقْرَبُهُمَا جِوَارًا وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَجِبِ الَّذِى سَبَقَ». 
 من آداب تلبية الدعوة أن لا يمتنع المدعو لبعد المسافة أو لفقر الداعي وعدم جاهه، فهذا ليس من أخلاق المومن، بل كل مسافةٍ يمكن احتمالها في العادة لا ينبغي أن يمتنع عنها الإنسان، روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « لَوْ دُعِيتُ إِلَي كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ،وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ»
 وهذا سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما مر بقومٍ من المساكين الذين يَسألون الناس على قارعة الطريق، وقد نشروا كِسراً -أي خبزاً يابساً فقط - على الأرض في الرمل وهم يأكلون، وهو على بغلته، فسلم عليهم، فقالوا له: هَلُمَّ إلى الغداء يا بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: نعم، إن الله لا يحب المستكبرين، فنزل وقعد معهم على الأرض وأكل ثم سلم عليهم وركب، وبعد أن ركب، قال: قد أجبت دعوتكم فأجيبوني، قالوا: نعم، فوعدهم وقتاً معلوماً فحضروا، فقدَّم لهم فاخر الطعام، وجلس يأكل معهم.
 أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

 الحمد لله الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى آله ومن والاه، 
أما بعد :
 عباد الله: ومن آداب إجابة ىالدعوة، إذا كان المدعو صائما صيام نفل أن يفطر إن كان يسرُّ أخاه ذلك، وليحتسب إفطاره بنية إدخال السرور على قلب أخيه، روى الدارقطني في مسنده عن جابر رضي الله عنه قال: صَنَعَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا، فَدَعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ، فَلَمَّا أَتَى بِالطَّعَامِ تَنَحَّى رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (مَا لَكَ؟) قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (تَكَلَّفَ أَخُوكَ وَصَنَعَ طَعَامًا ثُمَّ تَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ، كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ) 
 ومن الآداب كذلك أن يدعو المدعو للداعي بالدعاء الصالح، روى أبو داود بإسناد صحيح وعن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جَاءَ إِلَى سعد بن عبادة رضي الله عنه فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ، فَأكَلَ، ثُمَّ قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ؛ وَأكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلاَئِكَةُ ))
 الختم بالدعاء
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-