هل يصح إخراج زكاة الفطر من الإِطْرِية (الشَّعْرية)


هل يصح إخراج زكاة الفطر من الإِطْرِية (الشَّعْرية) (مكرونة)(1)؟
بسم الله الرحمان الرحيم 
 الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه ورشده.

أما بعد:

  فقد أرسل إلى أحد الإخوة الأئمة "فيديو" للأستاذ "خالد مبروك" يبين فيه كيفية إخراج الزكاة من غالب قوت أكله في بيته، وحدد ذلك في التمر والطحين والشَّعرية؛ ثم أخرج من كل واحد أربعة أمداد بمده؛ فأكد لمتابعيه وقرائه بعد ذلك بنبرة التحدي أن هذه هي الطريقة المثلى لإخراج الزكاة، بحيث لا يستطيع لا أبو حنيفة ولا الحسن البصري ولا سفيان الثوري ولا عمر بن عبد العزيز ولا غيرهم ممن يقول بجواز القيمة أن يقولوا له: زكاتك غير صحيحة؛ ويسأل هذا الأخ الذي بعث إلـي بهذا "الفيديو": هل ذلك صحيح؟

الجواب والله الموفق للصواب:

 مع احترامي للأستاذ الجليل "خالد مبورك"؛ ومع إعجابي بالطريقة التي قدم بها الدرس، حيث أحضر أولاده -نسأل الله تعالى أن يحفظهم- فعلمهم عن طريق التطبيق والممارسة بغض النظر عن صحة المسألة أو لا؛ أقول:
  • أولا: هذا "الفيديو" ليس فيه أغلاط فقط؛ بل فيه مغالطات؛ لأن الخطأ إذا اقتصر على صاحبه فهو غلط، فإذا ما تجاوزه ليوقع غيره فيه فهو مغالطة.
  • ثانيا: لا يحتاج هذا "الفيديو" من أجل الوقوف على ما فيه من المغالطات أن نستدعي أبا حنيفة ولا الحسن البصري ولا سفيان الثوري ولا عمر بن عبد العزيز من الأئمة الذين استدعاهم الأستاذ إلى الحكم على طريقة إخراج زكاته؛ بل يكفي طالب علم صغير مثلي ليكشف عن خطئه في ذلك.
  • ثالثا: من مغالطات "الفيديو" أنه بنى زكاة الفطر على غالب قوت صاحب الزكاة وهذا غير صحيح؛ بل المعتبر عند جمهور العلماء هو غالب قوت أهل البلد عامة؛ وحتى من قال من غير الجمهور بجواز إخراج الزكاة من قوت المزكي اشترط في هذا عدم القدرة؛ قال ابن رشد الحفيد: "وقوم ذهبوا إلى أن الواجب عليه هو غالب قوت البلد، أو قوت المكلف إذا لم يقدر على قوت البلد، وهو الذي حكاه عبد الوهاب عن المذهب"(2)أما صاحب الزكاة فليأكل ما شاء فلا يعتبر ما يأكله عند إخراج الزكاة؛ هب أن مريضا في الإنعاش لا يتغذى إلا بـ"الصيروم" طيلة شهر رمضان أو أكثر؛ فهل يُخرج زكاة الفطر صاعا من "الصيروم"؟؛ وبناء عليه فالتمر بكل أنواعه ليس من غالب قوت البلد في المغرب عموما حتى يصح إخراج زكاة الفطر منه؛ فغالب القوت عندنا هو مادة القمح أو "فرينة"؛ لأنها الحاضر في الموائد كل يوم صباح مساء؛ أما التمر ففي بعض الأحيان، وقد يكون ذلك عند إخواننا الصحراويين في صحرائنا المغربية.
  • رابعا: اتفق جميع العلماء على أن إخراج الزكاة من الحبوب هو الأصل؛ وغير الحبوب من الطحين والخبز والشعرية والعملة إنما هو إخراجها بالقيمة المختلف فيها، ويدخل فيها حتى الألبسة إذا أُخذتْ قيمة للزكاة حسب حاجة المساكين؛ كما فعل معاذ بن جبل -رضي الله عنه- في اليمن، وهو مذهب البخاري؛ فقد روى في صحيحه أن معاذا قال لأهل اليمن: «ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثياب خميص -أو لبيس- في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة»(3)؛ ولم ينكر عليه الصحابة رضي الله عنهم.
  • خامسا: إذا أردنا أن نخرج الزكاة بالقيمة: طحينا، أو خبزا، أو "شعرية"، أو فلوسا؛ فلا بد أن ننظر إلى وزنه حسب أصله وهو الحبوب؛ ويسميه الفقهاء: "الرَّيْع" بوزن البَيْع(4)؛ قال اللخمي: "قال ابن القاسم: ولا يجزئه الدقيق ولا السويق في كفارة الظهار ولا في صدقة الفطر ولا في شيء من الكفارات... يريد: إذا أخرج الدقيق بغير رَيْعه، فإن أخرجه برَيْعه أجزأه، وقد أحسن؛ إذ كفاهم مئونة الطحين"(5)؛ وعلق عليه أبو عبد الله المواق الغرناطي فقال: "وانظر من باب أولى الخبز إذا راعى الرَّيْعَ يكون قد كفاهم مُؤْنَةَ الطحنِ والخبز"(6)، وأقول تعليقا عليه: وانظر من باب أولى أيضا "الشعرية" إذا راعى فيها الرَّيْعَ يكون قد كفاهم مُؤْنَةَ طحنِها وتشعيرها؛ أي تحويلها إلى مادة "الشعرية".
  • سادسا: توضيحا لذلك أقول: مثلا الصاع من القمح هو بالكيلو الجاري به العمل كيلوان ونصف تقريبا (2.500)؛ فقد قمتُ بطحن هذا القدر في المطحنة حتى أعرف رَيْعه، فخرج لي تقريبا كيلوان وربع من الطحين (2.250)، ثم قمتُ بسؤال الخباز فأخبرني أن هذا القدر من الطحين ينتج (18خبزة) من الحجم الكبير، وإذا أزلنا منه ما يضاف إليه عادة من الخميرة وغيرها نقول: (15خبزة)، ومن الحجم الصغير (30 إلى 36 خبزة).
اما شعريتنا في مسألتنا هذه؛ فقد اتصلت بمدير الشركة التي تصنع هذه المادة من القمح فأخبرني بأن (2.500) من القمح يعطي تقريبا كيلوين وأربعمائة غراما (2.400) من الشعرية، ثم لما وزنتُ بالكيلو أربعة أمداد (الصاع) من هذه الشعرية كما فعل الأستاذ هنا خرج لي كيلو واحد ومائتا غرام (1.200)؛ أي: نصف الرَّيْع من صاع القمح؛ بمعنى أن الأستاذ "خالد مبروك" ومن اقتدى بهديه، إنما أخرج نصف زكاة الفطر من شعريته، وبقي النصف الآخر في ذمته؛ نتيجة الخطأ في الحساب وعدم الرجوع إلى كتب الفقهاء حتى يصل إلى تحرير المسألة علميا.
  • سابعا: أما ربط الحبوب والطحين والشعرية بالتربية بحكم أن الأولاد يشاهدون فيتعلمون، واعتباره دليلا على وجوب إخراج الزكاة من الحبوب، أو على الأفضلية والأولية من أجل إظهار شعائر الإسلام كما قال الأستاذ، فلا يثبت عند المناقشة ولا يخفى ما فيه من الغباء؛ لأنه متعلق بمجرد الرغبة، ومجرد الرغبة لا تكون دليلا؛ فما المانع من أن يفعل الأب ذلك معهم بالفلوس أيضا إذا كان له رغبة؛ بحيث يُحضرهم ويكلفهم بإحضار (الصرف) دراهم معدودات، فيقوم أمامهم بعزل حصة كل واحد (13 درهما)؟ وفي المقابل: ما الذي يمنع الأب أن يشتري الحبوب من السوق فيدفعها للمساكين في عين المكان من غير أن يعلم بذلك أولاده؟ بل الكثير من الناس هكذا يفعلون؛ إذن القضية هنا مبنية على مجرد الرغبة، ويمكن تحقيقها في الفلوس، كما يمكن تعطيلها في الحبوب؛ إذن هذا لا دليل فيه ولا يستحق حتى أن يذكر إلا أن ينكر.

الخلاصة: 

 يعتبر في إخراج زكاة الفطر غالب قوت أهل البلد وليس غالب قوت صاحب الزكاة، والأصل فيها إخراجها بالحبوب وهو المتفق عليه؛ أما إخراجها من غير الحبوب فهو من القيمة المختلف فيها؛ سواء كان طحينا، أو خبزا أو شعرية، أو فلوسا، أو ألبسة، أو غيرها من السلع؛ ولهذا لا بد من بناء رَيْع القيمة على أصلها؛ وعليه فإن قيمة زكاة الفطر في الطحين (2.250) كليوغراما، ومن الخبز 36خبزة من الحجم الصغير و18 من الحجم الكبير، ومن الشعرية (2.400) كليوغراما، ومن الفلوس (13 درهما) حسب تحديد المجلس العلمي الأعلى هذه السنة، ومن الألبسة وغيرها من السلع ما يساوي(13 درهما).
والله أعلم وهو سبحانه الموفق للصواب

الهامــــــــــــش:
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) الشَّعْرية أو الشَّعَيْرية هكذا تسمى في اللهجة المغربية؛ نسبة إلى الشعر لكونها تشبه خيوط الشعر، وفي بعض البلدان: (مَكَرونة أو مَعْكرونة) مأخوذة من اللغة الإيطالية، وفي اللغة العربية الفصحى: "الْإِطْرِيَة" بكسر الهمزة والراء وهي: نوع من الطعام كالخيوط يُتَّخذ من دقيق القمح ويشكّل بأشكال مختلفة ويجفَّف، ثم يُطْهى بكيفيات مختلفة. المختار للرازي: (ص: 190)، والمعجم الوسيط: (2/556)، وتكملة المعاجم لرينهارت بيتر: (7/264)، ومعجم اللغة العربية المعاصرة: (3/ 2110).
(2) بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد: (2/42).
(3) صحيح البخاري: كتاب الزكاة: باب العرض في الزكاة.
(4) الرَّيْعُ هو: فضل كل شيء على أصله، وهو على وزن باع بيعا؛ نحو: رَيْعِ الدقيق والخبز وهو فضله على كيل البُرِّ بعد طحنه وعجنه؛ وأصله: الغلة والنماء والزيادة. ينظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: (2/289)، والمصباح المنير الكبير للفيومي: (1/248)، وتاج العروس للزبيدي: (21/136).
(5) التبصرة للخمي (5/2351).
(6) التاج والإكليل لمختصر خليل للمواق: (4/418).

عبد الله بنطاهر
الاثنين 24 رمضان 1441هـ 18 / 5 / 2020م.
مسجد الإمام البخاري أكادير المغرب.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-