ولا هامة ولا صفر

ورغم أن الإسلام عمل على حسم هذه المعتقدات الباطلات، إلا أن داءها تسرب لعقول وأفكار بعض المسلمين والمسلمات 
بسم الله الرحمان الرحيم 
الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، يدبر الأمر في الليل والنهار، ويخضع خلقه لما تجيء به الأقدار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا أعوان ولا أنصار، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أخرج به الناس من الظلمات إلى الأنوار، وأنقذهم به من الضلال والبوار، صلى الله وسلم عليه ما تعاقب الليل والنهار، وعلى آله الأخيار، وأصحابه المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان إلى أن يقوم الناس للواحد القهار. 

أما بعد: 

 إخواني في الله: تحدثنا في الدرس الماضي عن الشطر الأول من الحديث النبوي الشريف: "لا عدوى ولا طِيَرَةَ..." وسوف نتحدث اليوم ان شاء الله عز وجل، عن ما يحتويه الشطر الثاني من هذا الحديث الصحيح: وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "...ولا هامة ولا صفر". 
 أحبابي في الله: من خلال هذا الشطر نفى حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم مُعْتَقَدَيْن آخَرَيْن من معتقدات أهل الجاهلية وهما: الهامة وصفر، فقد كانوا يتشاءمون بالهامة وهو طائر البوم، ويربطون به النحس، ويعتقدون فيه الشر، وينسبون إليه الموت والفناء، ويظنون أن ظهوره في مكان أو وقوعه على سطح منزل يؤذن بموت أهله، ونزول المصائب بهم، كما كانوا يعتقدون خرافة أخرى ربطوها بهذا الطائر فيقولون إذا مات الميت عادت إليه الروح وخرج من قبره في شكل بومة يطلب الانتقام من أعدائه، والاقتصاص من قاتليه، وهذا كله زعم فاسد، واعتقاد باطل، وفهم خاطئ، وجهل واضح، وظن سيء، لأن الميت لا يعود إلى الحياة الدنيا مرة أخرى، لا في شكله الأول، ولا في شكل آخر، فمن مات فقد انتهت حياته الأولى، وانقضت أيامه المعدودات، وصار رهين عمله، فإن كان سعيدا فروحه مع المنعمين في عليين، وإن كان شقيا فمع المعذبين في سجين، فكيف يعود إلى الدنيا في شكله الإنساني، أو الشكل الحيواني. 
 وعقيدة الجاهليين في الهامة لا تختلف عن عقيدتهم في طائر الغراب، فكانوا يزعمون أن الغراب بحكم لونه الأسود طائر الشر، وطائر النحس، وطائر الخراب والدمار، ويعتقدون أنه إذا نعق في مكان يقع فيه الخراب، ويتفرق أهله فيضربون به المثل متشائمين ويقولون: "أشأم من غراب البين" و "صاح بينهم غراب البين"، وضعوا هذا الطائر المسكين في قفص الاتهام، ونسبوا له ما هو منه براء، وهذا كله ظلم لهذا المخلوق، وهجوم بغير حق على هذا الطائر الذي يسبح بحمد الله، ولذلك أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يضع حدا لهذه العقيدة الباطلة، حتى لا تتغلغل في هذه الأمة، فقال: "ولا هامة". 
 إخوة الإيمان: ومما شاع في الجاهلية الأولى أيضا، وانتشر انتشارا واسعا بين الرجال والنساء في تلك العصور، التشاؤم بالزمان، فيعتقدون أن بعض الليالي والأيام، والشهور والأعوام، لها تأثير على حياة الإنسان بالشر والنحس، ومن الشهور التي يتشاءمون بها ويربطون المصائب والمكاره، ويرون أنها تأتي بالبأس والبلاء، الشهر الثاني من السنة القمرية، وهو شهر صفر، لأنه يقع عقب الأشهر الحرم الثلاثة التي يحرمون فيها القتال، فإذا انتهت هذه الثلاثة ودخل شهر صفر عادوا إلى الحروب والقتال، وسفك الدماء، وانتهاك الحرمات، فينسبون له ما يفعلون، ويربطون به ما يرتكبون، فكل ما فعلوه من شر وارتكبوه من قتل وعدوان وإفساد في الأرض، قالوا إنه من شهر صفر فيتشاءمون به كما يتشاءمون منه، ويسمونه صفر الشر، فلما جاء دين الحق، وبعث رسول الحق، وأنزل كتاب الحق، أبطل هذا الاعتقاد، ونفى هذه الخرافة المنسوبة لهذا الشهر الكريم، فقال صلى الله عليه وسلم: "ولا صفر". 
 أحبابي في الله: ورغم أن الإسلام عمل على حسم هذه المعتقدات الباطلات، إلا أن داءها تسرب لعقول وأفكار بعض المسلمين والمسلمات، ممن تزعزعت عقيدتهم، وضعف إيمانهم، فما زال في صفوف المسلمين من يتشاءم بطائر البوم والغراب ويرون أنه رمز للموت، فيلعنونه، ويسبونه، ويطردونه. 
 وما زال فيهم أيضا من يعتقد اعتقادا جازما أن في السنة شهورا وليالي وأياما يطبعها النحس، ويغلب عليها الشر، فيتجنبون فيها كثيرا من الأعمال كالسفر والتجارة والزواج خوفا من أن يلحقهم نحسها، ويدركهم شرها، ومن القصاص والوعاظ وجُهال الخطباء من يساهم في نشر هذه الخرافات العقدية بين الناس، ويُرَوِّجون لذلك أحاديث باطلة، وروايات واهية، وقصصا خرافية، كقولهم: "من بشرني بخروج صفر بشرته بالجنة"، فهذا حديث باطل موضوع كما قال علماء السنة، ومصابيح الأمة. 
 والشؤم في الحقيقة ليس في الزمان، ولا في المكان، ولا بفلان وفلان، وإنما هو من الإنسان، بما يرتكبه من الكفر والفسوق والعصيان، فالطاعة خير وبركة على الإنسان، والمعصية شقاء له وشؤم عليه، قال الله عز وجل (مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٖ فَمِنَ اَ۬للَّهِ، وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفْسِكَ)، وقال عز من قائل (وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةِۢ بِمَا كَسَبَتَ اَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٖ)
 أحبابي في الله: وهناك من الناس من يتشاءم بفلان وبني فلان، وبقبيلة كذا، وبأهل قرية كذا، ويزعم أنهم أشرار مشؤومون، وأشقياء منحوسون، فلا يكلمهم ولا يسلم عليهم، ولا يعاملهم ولا يصاهرهم، وإذا لقيهم في أول صباح يومه تشاءم من ذلك اليوم، واعتقده يوم شرور ومصائب، وكل ما يقع له فيه مما يكره، ينسبه لهم، ويقول هذا من عندهم، وهذا هو الضلال، والداء العضال، وعقيدة الجهال، التي أبطلها الله في كتابه إذ قال: (مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِے اِ۬لَارْضِ وَلَا فِےٓ أَنفُسِكُمُۥٓ إِلَّا فِے كِتَٰبٖ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ، إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَي اَ۬للَّهِ يَسِير، لِّكَيْلَا تَاسَوْاْ عَلَيٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُواْ بِمَآ ءَات۪يٰكُمْ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٖ فَخُورٍ) 
 فاللهم جنبنا الأخلاق والعادات السيئة التي لا تحبها، وخلقنا بالأخلاق الحسنة التي تحب عبادك المتصفين بها ، وصل اللهم وسلم وبارك على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين. .
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-