نعمة الماء

الماء نعمة عظيمة، وهو أصل الكون، وأســاس الحياة فوق الأرض، فلا حياة فوق البسيطة بدون ماء
بسم الله الرحمان الرحيم 
  الحمد لله على فضله وعطائه، والشكر له على نعمه وآلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله جل في عظمته وكبريائه، وتقدس في صفاته وأسمائه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي ختم به قائمة رسله وأنبيائه، وجعله رحمة لأحبابه وأوليائه، صلى الله وسلم عليه ما طلع نجم في سمائه، وعلى آله وأقربائه، وأصحابه وأودائه، والسائرين على دربه إلى يوم لقائه. 

  أما بعد: 

  إخواني وأخواتي في الله: حديثنا اليوم في هذه الأسطر المتواضعة، عن نعمة من نعم الله الكثيرة التي أنعم بها على عباده، وتفضل بها على خلقه، فجعلها أساس الحياة، وأصلا للإنسان والحيوان، ألا وهي نعمة الماء، قال الله جل في علاه في كتابه الكريم في سورة الأنبياء:(وَجَعَلْنَا مِنَ اَ۬لْمَآءِ كُلَّ شَےْءٍ حَيٍّ اَفَلَا يُومِنُونَ) 
  فهذه آية كريمة عظيمة، في غاية الإيجاز والإعجاز، تنبه العباد إلى عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وإلى وحدانيته في قدرته جل وعلا، وتتجلى هذه العظمة الإلهية، والقدرة الربانية، في كونه خلق كل الأشياء الحية من الماء، فتحول الماء السائل بإذنه إلى أجسام حية متحركة، وهذا يستدعي الإذعان له، والانقياد لأمره، والتصديق بكتبه ورسله، والإيمان به ربا وإلها، سبحانه وتعلى عز وجل . 
  إخوة الإيمان: الماء نعمة عظيمة، وهو أصل الكون، وأســاس الحياة فوق الأرض، فلا حياة فوق البسيطة بدون ماء، ولا بقاء فيها من غير ماء، فالإنسان خلقه الله من الماء، وجعل حياته بعد ذلك متوقفة على الماء، قل سبحانه وتعالى: (وَهُوَ اَ۬لذِے خَلَقَ مِنَ اَ۬لْمَآءِ بَشَراٗ فَجَعَلَهُۥ نَسَباٗ وَصِهْراٗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراٗ)، بل كل ما يدب على وجه الأرض إنسان وغيره، خلقه الله من الماء، قال الله عز وجل: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّة مِّن مَّآء) 
  وبعد ذلك جعل الله هذه النعمة مادة ضرورية لحياة الإنسان والحيوان والطبيعة، والحياة بدون ماء تعني الموت والهلاك، ومهما تقدم الإنسان في مجال التصنيع، وسار بعيدا في ميدان الابتكار، وقطع أشواطا في عالم الاختراع، فلا يمكنه الاستغناء عن الماء، ولا يستطيع أن يجد بديلا عن هذه الطاقة الحية الثمينة التي خلقها الله تعالى وأنزلها من السماء، ثم أسكنها في الأرض تستقر في بحارها، وتجري في أوديتها وأنهارها، وتنبَع في عيونها وآبارها، قال الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ اَ۬لسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٖ فَأَسْكَنَّٰهُ فِے اِ۬لَارْضِ وَإِنَّا عَلَيٰ ذَهَابِۢ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ) 
  إخواني أخواتي : الماء خلقه الله لنا، وأنعم به علينا، تارة ينزل من السماء فوقنا، وتارة يخرج من الأرض تحت أقدامنا، وكل ذلك بإذن ربنا، ولذلك حذرنا الله تعالى أن نكفر هذه النعمة، وأن نجحد وليها ومُنْعمها، وأن ننسُبَها إلى قوتنا أو آلاتنا، كان الامام أحمد بن حنبل رحمه الله إذا استقى الماء من البئر للوضوء ورفع الدلو فخرجت ممتلئة قال: الحمد لله، فيقول له بعض بنيه: يا أبت ما الفائدة من ذلك؟ فيقول له: أما سمعت قول الله عز وجل: (قُلَ اَرَٰٓيْتُمُۥٓ إِنَ اَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراٗ فَمَنْ يَّاتِيكُم بِمَآءٖ مَّعِين) 
  إخواني وأخواتي في الله: إن الإسلام أولى لهذه المادة الحيوية عناية خاصة، ورعاية كبيرة، فبين أن الماء من المواد الأساسية المشتركة بين الناس، فحرم احتكاره وبيعه، ومنع الآخرين من الانتفاع به، والاستفادة منه، بل اعتبر مانع الماء عند الحاجة إليه آثما في فعله، ظالما لنفسه، مانعا فضل خالقه، ويوم القيامة يحاسب على جريمته، ويدفع ثمن خطيئته، ويطرده ربه من رحمته، فقد حذر حبيبنا المصطفى من أصناف من الناس لا يكلمهم الله عز وجل يوم القيامة ولا ينظر إليهم أبدا ولا يزكيهم، وسيعذبهم الله يوم القيامة عذابا أليما، وذكر منهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ يَمْنَعُهُ مِنَ ابْنِ السَّبِيلِ » 
  كما دعا الإسلام إلى العناية بمصادر المياه، فحث على حفر الآبار، واستنباط الماء من تحت الأرض، ومنحه للناس، وجعل ذلك من أكبر الصدقات، وأعظم الحسنات، وأفضل الأعمال، وأحسن ما صرفت فيه الأموال، فقد جاء سيدنا سعد بن عبادة رضي الله عنه إلى حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، فسأله عن أفضل الصدقات التي يتصدق بها عن أمه الميتة، فقال له سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :« سقي الماء، أو قال: اسق الماء» فحفر سعد بئرا بالمدينة ووقفها صدقة على أمه، فكانت تعرف بعد ذلك بسقاية أم سعد. 
  أحباببي في الله: إن سقي الماء أعظم أجرا عند الله من إطعام الطعام، ذلك لأن الجائع يصبر على الجوع ويتحمله، أما العطشان فإنه لا يتحمل العطش، ولذلك جعل الله الأجر العظيم في سقي الماء حتى للحيوان، لأن الحيوان يسبح للرحمان، كما يسبح له الإنسان، وما دام الحيوان خلقا من مخلوقات الله فإنه يستوجب الرحمة، وما دام يسبح بحمد الله ففي إطعامه وسقيه أجر، جاء في الصحيحين ،عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ مَاءً، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ» 
  إخوة الإيمان: فهذه النعمة العظيمة التي تحدثنا عنها بإيجاز، قد أمرنا ديننا الحنيف بالمحافظة عليها، وصيانة مصادرها، وحرم تبذيرها والإسراف فيها، وحذر من تلويثها وتنجيسها، لأنها كما ذكرنا روح الحياة على الأرض، فاقتصدوا أحبابي في استعمال الماء، ولا تسرفوا في استهلاكه ولو في الغسل والوضوء فإن الله لا يحب المسرفين، ولا تبذروه فإن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وليقم كل واحد منكم بحملة في عائلته وأهله للتوعية بأهمية هذه النعمة، وخطورة تبذيرها وتضييعها، وما ينتج عن ذلك من آثار لا تحمد عقباها. 
  اللهم اجعلنا ممن يقدرون نعمك، ويشكرونها،وصل اللهم وسلم وبارك على البشير النذير سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-