خطبة عن الحياة الطيبة

 أُسُسا الحياة الطيبة هما: الإيمان الصادق، والعمل الصالح الخالص لله عز وجل
بسم الله الرحمان الرحيم

خطبة جمعة حول أسس الحياة الطيبة 

الخطبة الأولى: 

  إن الحمد لله نحمده ونستعينه ... (مقدمة) ،

 أما بعد: 

  معشر المومنين والمومنات: يقول الله عز وجل في كتابه العزيز (مَنْ عَمِلَ صَٰلِحاً مِّن ذَكَرٍ اَوُ ا۟نث۪ىٰ وَهُوَ مُومِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمُۥٓ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)  
  في هذه الآية الكريم يبين الله عز وجل لعباده، أسس الحياة الطيبة، التي يتمناها كل إنسان، وهي العمل الصالح المقترن بالإيمان، إذا فالحياة الطيبة عند المسلم هي التي يكون فيها الإيمان، ويكون فيها العمل الصالح، الإيمان بأن ربنا عز وجل هو رب كلِ شيء، وخالق كل شيء، ومالك كلِ شيء، والمقدر لكل شيء، يعز من يشاء ويذل من يشاء، يخفض من يشاء، ويرفع من شاء، يبسط الرزق لمن يشاء، ويقدره على من يشاء، وأنه إذا أراد بعبده خيرا فلو اجتمع الخلق كلهم أن يصرفوه عنه ما قدروا، وأنه إذا أراد بعبده سوءا، لو طلب الخلق كلهم أن يردوه عنه ما قدروا، وأن ربه أرحم به من والديه وهذان في الدنيا هما الرحماء، فيطمئن بذلك قلبه، وتسكن لذلك نفسه، ومن أعظم أسباب تثبيت هذا الأساس المتين من أسس الحياة الطيبة، الذي هو الإيمان، كثرة ذكر الله عز وجل، بجميع أنواعه، فاستغفار يطهير القلب، والتسبيح يعظم قدرالله عز وجل في القلب، ويثقل ميزان العبد، والتهليل أي قول لا إله إلا الله يجدد ويعمره الإيمان في القلب، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تنور القلب، وتلاوة القرآن الكريم وتدبره، تضاعف الإيمان إن وجدته في القلب، يقول الله عز وجل (اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اِ۬للَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اِ۬للَّهِ تَطْمَئِنُّ اُ۬لْقُلُوبُ)، والإيمان الصادق الذي يتوج صاحبه للحياة الطيبة، هو قول باللسان، وتصديق بالجنان (القلب)، وعمل بالأركان، يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله: «لَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّحَلِّي وَلَا بِالتَّمَنِّي، وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَتْهُ الْأَعْمَالُ، مَنْ قَالَ حَسَنًا وَعَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ رَدَّهُ اللَّهُ عَلَى قَوْلِهِ ، وَمَنْ قَالَ حَسَنًا وَعَمِلَ صَالِحًا رَفَعَهُ الْعَمَلُ ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)» . 
  عباد الله: ولما كان العمل الصالح هو المصدق للإيمان الصادق، كان هو الأساس الثاني من أسس الحياة الطيبة، يقول الله عز وجل (اُ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اُ۬لصَّٰلِحَٰتِ طُوب۪ىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَـَٔابٍ)، أي تطيب حياتهم، وفي الآخرة يكرمهم الله برضوانه وجنانه، والعمل الصالح، هو كل قول أو فعل يوافق شرع الله عز وجل، ويراد به التقرب إلى المولى عز وجل، ومن أعظم الأعمال الصالحة، المحافظة على أركان الدين كما أمر الله عز وجل، فالصلاة أنس المومن بربه وراحة له من هوس الدنيا، ولذلك كان يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لسيدنا بلال رضي الله عنه: «أَرِحْنَا بِهَا يَا بِلَالُ»، والزكاة والصدقات، وقاية للمومن من الشح والبخل، يقول الله عز وجل (فَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ مَا اَ۪سْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَنْ يُّوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُفْلِحُونَ)، والصوم تهذيب للنفس، والحج المبرور أفضل الأعمال والقربات عند الله عز وجل، ومن أعظم الأعمال الصالحة، أداء الحقوق إلى أهلها، والسعي في الإصلاح بين المتخاصمين، ففي سنن أبي داود رحمه الله، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اله عليه وسلم: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِدَرَجَةٍ أَفْضَلَ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ» 
  إذا فالإيمان الصادق والعمل الصالح هما أساسا الحياة الطيبة، التي أرادها الله عز وجل لعباده، فبهما تحيا القلوب بمعرفة الله عز وجل، ومحبته، والتوكل دائما عليه، يقول بعض العارفين بالله عز وجل: " إنه لتمر بي أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا، إنهم لفي عيش عظيم ". 
  أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين. 

الخطبة الثانية: 

  الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى، وعلى من لنهجه اقتفى، 

أما بعد: 

  عباد الله: رأينا في الخطبة الأولى أنه من أسس الحياة الطيبة، الإيمان الصادق، والعمل الصالح ، فلا المال، ولا ال جاه، ولا السلطان، يحيون الحياة الطيبة، إن فقد الإيمان والعمل الصالح، ونختم بمشهد عظيم لرجل عاش الحياة الطيبة في الدنيا، عاش ومات لله، لعلنا نقتدي به، فنشق طريقا ونجتهد لنعيش هذه الحياة التي أرادها الله لعباده، هذا الرجل هو التابعي عروة بن حواري النبي صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام رضي الله عنهما، خرج من المدينة إلى دمشق ليزور الخليفة، فابتلي في الطريق بالآكلة (وهي قرحة أصابت رجله)، فلم يصل إلى دمشق حتى انتشر المرض في رجله، فلما رآه الخليفة، استدعى له طبيبه، فأمره بقطعما خشية أن ينتشر المرض، فوافق عروة على قطع رجله، ولما دعي الجزار ليقطعها قال له اشْرَبِ الْمُرْقِدَ، قَالَ: " لَا أَشْرَبُ مُرْقِدًا أَبَدًا " وَاتَّكَأَ لَهُ عُرْوَةُ فَقَطَعَهَا مِنْ نِصْفِ السَّاقِ، فَمَا زَادَ عَلَى أَنْ يَقُولَ: حُسْنٌ حُسْنٌ، وكان معه في سفره ذلك ابنه محمد، ودخل اصطبل دواب الوليد، فرفسته دابة فخر ميتاً، فأتى عروة رجل يعزيه، فقال: إن كنت تعزيني برجلي فقد احتسبتها، قال: بل أعزيك بمحمد ابنك، قال: وماله ؟ فأخبره، فقا: اللهُمَّ كَانَ لِي بَنُونَ سَبْعَةً، فَأَخَذْتَ مِنْهُمْ وَاحِدًا وَأَبْقَيْتَ سِتَّةً، وَكَانَتْ لِي أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ فَأَخَذْتَ مِنْهَا طَرَفًا وَأَبْقَيْتَ لِي ثَلَاثَةً، وَأَيْمُكَ لَئِنِ ابْتَلَيْتَ لَقَدْ عَافَيْتَ،وَلَئِنْ أَخَذَتَ لَقَدْ أَبْقَيْتَ "، فمن دفعه لهذا الصبر،على قطع ساقه وفقد فلذة كبده إنها الحياة الطيبة والقرب والأنس بمولاه عز وجل. 
الختم بالدعاء...
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-