خطبة عن الفطرة السليمة

 الفطرة الطاهرة النظيفة متأصلة في الإنسان، ومولودة معه، وقلب المؤمن الذي هداه الله بنور فطرته التي فطره عليها، ليس كقلب الغافل البعيد عن الحق
بسم الله الرحمان الرحيم

خطبة جمعة حول الفطرة السليمة التي ينشدها الإسلام  

الخطبة الأولى: 

  إن الحمد لله، نحمد سبحانه وتعالى ونستعينه ......... (المقدمة)، أما بعد: 
  معشر المومنين والمومنات: يقول الله عز وجل (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اَ۬للَّهِ اِ۬لتِے فَطَرَ اَ۬لنَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اِ۬للَّهِ ذَٰلِكَ اَ۬لدِّينُ اُ۬لْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ اَ۬لنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، وروى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة»، ثم قال: «اقرأوا إن شئتم: (فِطْرَتَ اَ۬للَّهِ اِ۬لتِے فَطَرَ اَ۬لنَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اِ۬للَّهِ ذَٰلِكَ اَ۬لدِّينُ اُ۬لْقَيِّمُ). زاد الامام البخاري: «فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»  
  عباد الله: الفطرة هي إقامة الوجه لله عز وجل، وَهي تَستوي وتبقى على اصلها أو تَعْوَجُّ وتحيد عن الجادة، والفطرة الطاهرة النظيفة متأصلة في الإنسان، ومولودة معه، وقلب المؤمن الذي هداه الله بنور فطرته التي فطره عليها، ليس كقلب الغافل البعيد عن الحق، الهائم في الظلمات وليس بخارج منها، قال الله عز وجل (أَوَمَن كَانَ مَيِّتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُۥ نُوراً يَمْشِے بِهِۦ فِے اِ۬لنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِے اِ۬لظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا)، وقد ضرب الله جل في علاه مثلًا للفطر السليمة بالزيت الصافي النقي الذي يشع نورًا من صفائه، فإذا أُوقد به السراج التقى فيه النوران فأصبح نورًا على نور، وهذا مثل ضربه الله عز وجل لنور الفطرة إذا التقى مع نور الوحي، قال سبحانه وتعالى : (اَ۬للَّهُ نُورُ اُ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضِ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشْكَوٰةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ اِ۬لْمِصْبَاحُ فِے زُجَاجَةٍ اِ۬لزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَٰرَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِےٓءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِے اِ۬للَّهُ لِنُورِهِۦ مَنْ يَّشَآءُ وَيَضْرِبُ اُ۬للَّهُ اُ۬لَامْثَـٰلَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَےْءٍ عَلِيمٌ) 
  عباد الله: إن صفاء الفطرة نور في القلب الحي الواعي المجاهد، فطالب الهداية يتحتم عليه الجهاد، وقد جعل الله للهداية شرطا هو الجهاد، وأكمل الناس هداية أقواهم جهادا، جهادا للنفس، وجهادا للشيطان، وجهادا للدنيا، وجهاد للهوى، فمن جاهد كل هذه في الله يسر الله له سبل الهداية، وجعل له نورا يمشي به في الناس، قال الله جل في علاه: (وَالذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اَ۬للَّهَ لَمَعَ اَ۬لْمُحْسِنِينَ)، قال الإمام الجنيد رحمه الله مفسرا هذه الآية « والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة لنهدينهم سبل الإخلاص»، وبنور الطاعات والعبادات يتطهر القلب من أدران الشهوات وحب الدنيا، وبالمداومة على الذكر يتنبه القلب ويستيقظ من سباته ونومه، لأن القلب النائم مآله الخسران والحسرة! أما القلب الحي الدائم الذكر، الكثير السجود، فيكون أقرب إلى الله عز وجل وأحب إليه، والأعمال تعبير صادق للباطن، إما أن تعبر عن الفطرة السليمة بطاعة الله والوقوف عند حدوده، والقيام بأوامره وفرائضه، وإما أن تعبر عن الفطرة المنحرفة عن الصواب، بمعصية الله عز وجل و إضاعة حدوده . 
  أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، والحمد لله رب العالمين. 

الخطبة الثانية: 

  الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى آله ومن والاه، أما بعد : 
  عباد الله: رأينا في الخطبة الأولى كيف تصفوا هذه الفطرة فترجع إلى أصلها السليم بالطاعات والوقوف عند حدود الله عز وجل ومجاهدة النفس والهوى والشيطان ومغريات الدنيا، أما من عطل هذه الأنواع من الجهاد، واستسلم لنفسه وهواه،فقد سد دونه باب الهداية، وأصبح النور لا يجد منفذا إلى القلب المظلم الغافل عن ذكر الله، ومحبة الله، ومعرفة الله، قال عز وجل: (اِنَّ فِے ذَٰلِكَ لَذِكْر۪ىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلْبٌ اَوَ اَلْقَى اَ۬لسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)، وروى الإمام مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ،حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ،عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ،مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا،إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ»  
  وخير ما نجعل مسك الختام، أفضل الصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد ، اللهم صل على وسلم وبارك وأنعم على سيدنا محمد وعلى آله ، وأزواجه، كما صليت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، إنك حميد مجيد 
الختم بالدعاء ...
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-