خطبة مؤثرة عن النميمة

النمامون هم شرار الخلق عند الله عز وجل، لأنهم يفسدون ولا يصلحون، ويفرقون ولا يجمعون،
بسم الله الرحمان الرحيم 

خطبة جمعة حول الغيبة وخطلاها وعاقبتها

الخطبة الأولى: 

  الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، إياه نعبد وعليه نتوكل وبه نستعين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين 

أما بعد:

عباد الله: أوصيكم ونفسي الأمارة بالسوء، بتقوى الله وطاعته، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). 
ثم أما بعد: 
معشر المومنين والمومنات: رأينا في الخطبة الماضية أحد الأمراض التي تفسد الأخوة الإيمانية، وهي آفة الغيبة والتكلم في عيوب الناس، واليوم إنشاء الله سنرى مرضا آخر أشد خطرا من الأول، وهو كذلك من آفات اللسان إنه مرض النميمة، والنميمة مشتقة من نمَّ الحديث إذا نقله على وجه الإفساد، فالنميمة إذا هي نقل الكلام بهدف الإفساد بين الناس وإيقاع الشر بينهم، وإشعال نار الفتنة والعداوة بينهم، وإلقاء البغضاء في قلوبهم، والنميمة كبيرة من الكبائر، قد نهى عنها القرآن الكريم وحذر منها ، ولقب من يمارسها بفاسق يجب الحذر منه، والتثبت مما يأتي به من الأخبار، وما ينقل من الكلام، قال الله تعالى (يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْماَۢ بِجَهَٰلَةٖ فَتُصْبِحُواْ عَلَيٰ مَا فَعَلْتُمْ نَٰدِمِينَۖ) 
  والنمام شيطان كبير، يؤدي وظيفة الوسواس الخناس، فيشعل نار العداوة بين الناس، ولذلك مقته الله وأبغضه، وحرم عليه في الآخرة جنته إن هو تمادى في كبيرته ولم يتب منها، روى الإمام مسلم رحمه الله، عن حذيفة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» 
  عباد الله: إن النمام يعذبه الله تعالى في الدنيا، حيث يوكله لنفسه ، وعند موته يعذب في قبره كذلك، بسبب هذه العادة السيئة التي يمارسها في حياته، ففي الصحيحين، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ»، والنمامون هم شرار الخلق عند الله عز وجل، لأنهم يفسدون ولا يصلحون، ويفرقون ولا يجمعون،ويبعدون ولا يقربون،ويهدمون ولا يبنون،ويقتلعون جذور المحبة والمودة في القلوب ويزرعون مكانها بذور الكراهية والبغضاء، روى الإمام أحمد رحمه الله في مسنده عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟» ، فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «الْمَاشُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ الْبُرَآءَ الْعَنَتَ»
  عباد الله: إن مما ينبغي لمن نقلت إليه نميمة أن ينهجه حتى يقي نفسه من شر النمام وحديثه، أن لا يصدقه ، وأن يتبين الخبر لأن النمام فاسق، مردود الشهادة لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، وينبغي كذلك أن ينهاه وينصحه ويزجره لقوله تعالى (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ)، وينبغي كذلك أن لا تظن بأخيك الغائب السوء حتى لا يقع في الإثم،بل يحسن به الظن لقول الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) 
  فاللهم واهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت،نفعني الله واياكم بالقرآن الكريم وبحديث سيد الأولين والآخرين، أجارني وإياكم من عذابه المهين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 

الخطبة الثانية: 

  الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى من لنهجه اقتفى. 

أما بعد: 

  عباد الله: رأينا في الخطبة الأولى، خطر النميمة على الفرد والمجتمع، وأن عاقبتها وخيمة، وإليكم هذه القصة البليغة، لنرى كيف يعاقب النمام في الدنيا، ذكرها أبو عبد الله بن الأزرق في كتابه بدائعُ السِّلك في طبائع الملك يحكي: أن رجلا كان يغشى بعض الملوك، وينصحه دائما ويقول: أحسن إلى من أحسن، ودع المسيء فإنه ستكفيه مساوئه، فحسده رجل(نمام) على ذلك المقام والكلام، فسعى به إلى الملك، فقال: إن فلانا (أي المقرب)، يذكرك بسوء،فقال الملك :وما يقول، قال: يقول للناس أن الملك أبخر فقال له الملك: وكيف يصحُّ ذلك عندي؟ قال: تدعو به إليك، فإذا دنا منك وضع يده على أنفه؛ لئلا يشمَّ ريح البخر،فقال له الملك: انصرف حتى أنظر، فخرج من عند الملك، فدعا الرجل إلى منزله، فأطعمه طعامًا فيه ثوم، فخرج الرجل من عنده، ودخل على الملك فقال، فقال: أحسن إلى من أحسن، و دع المسيء فإنه ستكفيه مساوئه، فقال له الملك: ادن مني، فدنا منه، فوضع يده على فيه، مخافة أن يشتمَّ الملك منه ريح الثوم، فقال الملك في نفسه: ما أرى فلانًا إلا وقد صدق، وكان الملك لا يكتب بخطه إلا جائزة أو صلة، فكتب له كتابًا بخطه إلى عامل من عماله: إذا أتاك حامل كتابي هذا، فاذبحه، واسلخه، واحش جلده تبنًا، وابعث به إليَّ، فأخذ الرجل الكتاب، وخرج، فلقيه الرجل الذي سعى به، فقال: ما هذا الكتاب؟ قال: خط الملك لي بصلة، فقال: هبه لي، فقال: هو لك، فأخذه، ومضى إلى العامل، فقال العامل: في كتابك: أن أذبحك، وأسلخك، قال: إنَّ الكتاب ليس هو لي، الله الله في أمري حتى أرجع إلى الملك، فقال: ليس لكتاب الملك مراجعة. فذبحه، وسلخه، وحشا جلده تبنًا، وبعث به، ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته، وقال مثل قوله، فعجب الملك وقال: ما فعل الكتاب؟ قال: لقيني فلان، فاستوهبني إيَّاه، فوهبته له، فقال الملك: إنَّه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر، قال: ما فعلت، قال: فلم وضعت يدك على فيك؟ قال: كان أطعمني طعامًا فيه ثوم، فكرهت أن تشمه. قال: صدقت، ارجع إلى مكانك، فقد كفاك المسيء مساوئه،
  هكذا يخزي الله النمام،فيجعل كيده في نحره.
  فاللهم اهدنا إلى أحسن الأخلاق، وقنا أسوأها 
الختم بالدعاء ...
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-